غسان كنفاني في مهبّ الممانعين/ سليم البيك

المزعج في الأمر أن ينشر «الرفاق» في الجريدة ما نشروه عن غسان و”الجبهة”، من حيث يدرون على الأغلب. هل في ذلك ما يستحضر (مثلاً) تغزّلهم بالجبهة الشعبية-القيادة العامة وأحمد جبريل تماشياً مع التحاق الأخير بالنظام السوري ليمرّروا كلاماً بين الكلام؟

غسان كنفاني في مهبّ الممانعين/ سليم البيك

غسان كنفاني

|سليم البيك|

“كان أفضل ناطق باسم المقاومة الفلسطينية بأكملها. لم يكن يضاهيه أحد. لم يقبل أن ينضم إلى «الجبهة الشعبية» سوى قبل فترة وجيزة من اغتياله. كان ذلك بعد مؤتمر عام 1972 الذي انتُخب خلاله عضواً في «المكتب السياسي». ولم يكن تحفظه ضرباً من «الدَّلال» أو التعالي الثقافي. كان ينبع من رفضه المبدئيّ للطابع القبليّ الذي كان يعيبه على كافة فصائل المقاومة الفلسطينية، بما فيها الجبهة الشعبية”.

الفقرة أنقلها كما هي من إحدى صفحات الملف الذي أعدّته جريدة الأخبار اللبنانية عن غسان كنفاني. سأعترف بدايةً أني لم أقرأ الملف، ولم أعرف بالفقرة إلا بعد إشارة أحد الأصدقاء إليها فرجعت إلى الحوار. الفقرة مأخوذة من حوار قصير جداً أُجري مع كارلوس خصيصًا للجريدة كما يبدو. أقول قصيراً جداً لكن متسِعاً لهذه الفقرة ولغيرها مثل: «بدا لي شخصاً متحفظاً وبارداً في تعاملاته اليومية. كان يحتفظ بكلّ حرارته وسحره لزائراته الأجنبيات الكثيرات اللواتي كُنّ بدورهنّ يعاملنه بالقدر ذاته من الحرارة والإعجاب”!

لن ألوم كارلوس هنا (على افتراض أنّ الكلام -في الفقرة الأولى- نُقل عنه بدقّة) كونه بدأ «بالتخبيص» منذ زمن، منذ أن عزله الشهيد وديع حداد. دون أن يقلّل ذلك من احترامي لمواقفه تجاه قضيتنا، ولا ألوم المراسل تزغارت والذي قد لا يكون أصلاً على دراية بالموضوع برمّته، يسأل، يسجّل، يرسل.

المزعج في الأمر أن ينشر «الرفاق» في الجريدة ما نشروه عن غسان و”الجبهة”، من حيث يدرون على الأغلب. هل في ذلك ما يستحضر (مثلاً) تغزّلهم بالجبهة الشعبية-القيادة العامة وأحمد جبريل تماشياً مع التحاق الأخير بالنظام السوري ليمرّروا كلاماً بين الكلام؟ (هل رحتُ بعيداً في ظنّي؟ ألم “تشطح” الجريدة في حسن ظنها بِـ وتبريرها لِـ دموية النظام السوري؟)

حسناً، هل من مبرّرات أيديولوجية لتأليف كلام ونشره؟ هل من إسقاطات دوغمائية سياسية لا أخلاقية على غسان بأثر رجعيّ على افتراضهم (أشاركهم إياه) أنه لن يكون له موقفهم من الثورة السورية لو كان بيننا، كما أنّ الجبهة الشعبية، وهو ابنها المدلّل (وأغلب الفلسطينيين) لا تشارك الجريدة وحلفاءها من الممانعين موقفهم من الثورة وانحيازهم للنظام الذي قتل وقصف الفلسطينيين في المخيمات (وقد أتى منها غسان) وأفلت شبيحته عليها؟

في هذا الحوار القصير جداً، كيف وُجد متسع لكل ذلك التلفيق بحق أحد رموز أفكارٍ مثل فلسطين والثورة والحرية (أم لأنه كذلك)؟

غسان «يا رفاق» كان عضواً في حركة القوميين العرب منذ العام 1953 كما كتب الصحافي الفرنسي جورج مالبرينو في كتابه/حواره الشهير مع جورج حبش «الثوريون لا يموتون أبداً». كما قال الحكيم في إحدى إجاباته: «كان غسان على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة إلينا منذ انضمامه، في دمشق في الخمسينيات، إلى حركة القوميين العرب، قبل أن يقوم مع انطلاقة الجبهة بتأسيس مجلة “الهدف” كمنبر لآرائه ولآراء العديد من المثقفين الآخرين”.

غسان، كما جورج حبش وأبو علي مصطفى ورفاق آخرين، انتقلت عضويته تلقائياً من حركة القوميين العرب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التنظيم الفلسطيني واليساري من الحركة. وغسان لم يُنتخب للمكتب السياسي، بل كان عضو لجنة مركزية يوم استشهاده ثمّ كُرّم يومها بعضوية المكتب السياسي. وكيف لغسان أن يتهم الجبهة بالقبليّة وهو الناطق الرسمي باسمها ومؤسّس ورئيس تحرير مجلتها، وقد كتب بخط يده وثيقة مؤتمرها الثالث، وكذلك وثيقة «الجبهة وقضية الانشقاق» عام 1969؟

كي لا تخسر «الأخبار» ما تبقى لديها اليوم، وقد سقط أخلاقياً كل من ينشغل في تبرير القمع الدمويّ الذي يمارسه النظام على السوريين والفلسطينيين، وتحديداً في الزمن الذي لا بدّ أن نتذكر فيه غسان، زمن الثورة والحرية، وزمن صحافة لا بد أن تكون صوت الثورة والحرية، كما كانت «الهدف» وكما كان غسان رئيس التحرير، كي لا تخسر الجريدة ما تبقّى فلتُزِح قليلاً النظام السوري عن مركز تفكيرها بين فينة وأخرى.

(horria.net)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>