الفن بين الاعلام والسياسة/ منذر جوابرة

كما يبدو فإنّ الرقابة الإعلامية والسياسية في دبي لم تقف عند حدود منع الآراء السياسية، وإنما الآراء الإنسانية، وجل الكتاب الذين كتبوا عن المعرض أفادوا بأنّ منع الفنان جاء لعدم استكمال الإجراءات، دون التواصل او الحديث معه، وكما يبدو يمنع عليهم قول الحقيقة هناك

الفن بين الاعلام والسياسة/ منذر جوابرة

شادي الزقزوق، "بعد الغسيل"

>

|منذر جوابرة|

شادي الزقزوق (1981)، صاحب لوحة “بعد الغسيل” التي مُنعت من العرض بدبي في شهر آذار الماضي، لأسباب تتعلق بالرقابة، ولأنّ اللوحة تعرض كلسونا رجاليا كتب عليه “إرحل”، تحمله امرأة بين يديها وهي ملثمة الوجه، لم يرُق لسياسة البلد، وتجاوز رسالة الفن النقدية بكافة مستوياتها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، بأن استجاب منظمو العروض الفنية للرقابة السّياسية التي لا تتماشى ونوع القضايا المطروحة، لما لها من أهمية في مواجهة الديكتاتورية السياسية العربية، وتفتح أبواب النقد الذي سيقوّي الشّعب ربما في رفض جماهيري للواقع السّياسي.

وفوق هذ كله منع آنذاك من دخول الأراضي الإماراتية، ليعودوا بعرض أعماله الفنية بمعرض “وطني حبل غسيل” في جاليري “آرت سبيس” والذي يعد من الساحات الفنية المهمة في الوطن العربي، بتكرار نفس الخطأ ومنع الفنان من دخول الأراضي الإماراتية.

أعمال الفنان تشكل رأيًا صارمًا في طرح قضيته وشكله الفني من خلال أعمال صادمة وحاضرة بقوّة لما يعكسه من فكرة تتعلق بتطوّرات المرحلة الراهنة من ثورة الربيع العربي، وقد استطاع أن يضعنا أمام أعماله الفنية بخفة الروح الناقدة والسّاخرة معًا، وأن يمزج بين الرأي الفني والسّياسي بصريًا، بعرض أعمال بصرية عجزت الكتابة وغيرها من الوقوف أمامها. فأن تشاهد مجموعة من الكلاسين الرجالية والنسائية على حبل غسيل وهي معروضة بهذه الجرأة أمام الجمهور بألوانها المزركشة، وتضعك في حالة من التناقض بين الاستمتاع بإشراقاتها اللونية وقربها من الجمالية اللونية، وبين الصدمة من نشر مقدسات الثقافة الشرقية لمفهوم الكلاسين، واعتبار مشاهدتها من أيّ شخص محض اغتصاب نفسي، وما يمثله هذا الشعور في الثقافة العربية باعتبار أنّ مشاهدة الكلسون هي ممارسة لعملية جنسية تأخذ أبعادها النفسية من ثقافة الاضطهاد والكبت الجنسي.

شادي الزقزوق، "وطني حبل غسيل"

في ظلّ هذا المعرض والذي سجل أهمية اعلامية وفنية في اثارة الرأي العام حول قضية مصيرية تخص الشعب العربي والسياسة العربية وعلاقتها بالعالم، يأتي التناقض الاعلامي والفني في دبي، إن كان على مستوى الأفراد أو المؤسسات باللامهنية التي تخطوها نحو تسجيل حقائق مزورة، ونقل أخبار غير حقيقية بمنع دخول الفنان لعدم “اكتمال الإجراءات”، وهي غير منطقية على الاطلاق اذا ما نظرنا لحجم التحضيرات المسبقة حول المعرض وحضور الفنان في أي مكان كان، وهذا ما ينفيه الفنان شادي بأنّ أوراقه رسمية ومكتملة ولا لبس فيها. وهذا أيضا يثير مسألة التبعية الفنية للاطار السياسي في دبي، كيف يتم عرض مثل هذه الاعمال ولا يتم السماح لدخول الفلسطيني، وهذه المسألة بحد ذاتها تعمل على ازعاج مطلق بالتعامل مع الفلسطيني في منطقة الوطن العربي، وكأنه طفيلي، بينما الإجراءات أسهل بكثير في أوروبا.

وكما يبدو فإنّ الرقابة الإعلامية والسياسية في دبي لم تقف عند حدود منع الآراء السياسية، وانما الآراء الانسانية، وجل الكتاب الذين كتبوا عن المعرض أفادوا بأنّ منع الفنان جاء لعدم استكمال الاجراءات، دون التواصل او الحديث معه، وكما يبدو يمنع عليهم قول الحقيقة هناك.

إنّ واقع التناقض الثقافي في المنطقة العربية، يفشل مشروع التطور الاجتماعي والثقافي، ويلعب دورا سلبيا في خلق فجوة هائلة بين الجمهور والاعلام، ويعمل على زعزعة الثقة التي نراهن عليها من قبل الاعلام، وما حدث في الآونة الأخيرة من إعلام تابع، يؤكد فشل مشروع الثورة العربية اذا استمر بهذا النحو، لأنّ التغيير لا يتوقف على التغيير السياسي، وإنما التغيير الاعلامي والثقافي والاجتماعي، وكلها اليوم نشاهدها من خلال الاعلام، والانتباه لدور الاعلام مسألة وطنية واجتماعية وعلينا مجابهتها حينما تكذب.

والسؤال مرة أخرى: لماذا لا يحصل الفلسطيني بسهولة على “تصريح” لدخول الأراضي العربية؟ هل هو التعامل بالمثل حينما تسمح إسرائيل لدخول الفلسطينيين إلى أراضي فلسطين المحتلة عام 1948؟ وعلى أن يكون معه التصريح اللازم لدخول ارضه، هل هذه هي السياسة العربية ايضا بأن يحمل الفلسطيني تصريح يسقط عنه حق الدفاع والمقاومة. هل المشروع العربي هو وجه العملة الأخرى لإسرائيل؟

شادي الزقزوق، ولأنه فلسطيني بالدرجة الاولى، ولأنه فنان وحر، وناقد لاذع للوضع السياسي العربي، التي بنيت بشكل وخلفية فلسطينية، هو واحد من المواطنين الفلسطينيين الذين يُمنعون من دخول الأراضي العربية، وكان آخرها دبي، منظمة معرضه في أهمّ قاعة عرض خليجية.

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>