الوقائع الغريبة في اغتيال فيتوري أريجوني / أسماء الغول

ترى الصحافية والمدونة أسماء الغول أنّ مقتل المتطوع الإيطالي “فكتور” ليس نتيجة لعملية جهادية سلفية كما يعتقد الجميع، بل هو تدبير لعميل أمريكي (بريزات) حصل على الضوء الأخضر بعد اتفاق نتنياهو وبرلسكوني على ضرورة وقف أسطول الحرية والحد من إنسانية قطاع غزة ■ تفاصيل جديرة بأن تُقرأ!

الوقائع الغريبة في اغتيال فيتوري أريجوني / أسماء الغول

فكتور (فيتوري أريجوني). أسئلة كثيرة

|أسماء الغول|

أسماء الغول

أن يتم إرسال جثة عبد الرحمن بريزات عن طريق معبر بيت حانون “إيرز” الإسرائيلي إلى الأردن ويتم إرسال جثة المتضامن الايطالي فكتور عن طريق معبر رفح البري  إلى مصر ومن ثم إيطاليا حتى لا يمر عبر إسرائيل التي لم يعترف فكتور (فيتوري أريجوني) بها يوما ولم يطأ أرضها، إنما هو اختصار لتاريخ وهوية فكتور المناضل ولتاريخ وهوية بريزات الذي كان عميلاً لثلاث دول وهي إسرائيل وأمريكا والأردن، وكان بريزات قد أقام في عدة مدن أجنبية وأوروبية قبل أن يأتي إلى قطاع غزة مع قافلة جورج غالوي، وبحسب مصادر حكومية، فقد حاول البقاء في قطاع غزة حينها، لكن حكومة غزة لم تسمح له بذلك فغادر ثم رجع إلى قطاع غزة منذ عام عبر أحد الأنفاق مستخدماً هوية مزيفة باسم محمد حسان، وكانت الحجة التي يقولها لأهله حينئذ أنه  يعكف على دراسة الهندسة.

وبما أنني لست من النوع الذي يؤمن بالمؤامرات خاصة لو كان من يحيكها إسرائيل لأننا اعتدنا أن نعلق على شماعة الاحتلال كل ما يحدث لنا من سيئات، لذلك لزمني الأمر أياماً طويلة وساعات أطول في البحث والتقصي والقراءة، والتحدث مع أصدقائه للاعتراف بيني وبين نفسي أولاً قبل أن أنشر هذه المادة أن وراء مقتل فكتور بالفعل مؤامرة معقدة.

وتبدأ القصة من الجدل الذي تثيره شخصية فكتور نفسها؛ فهو محطّ فخر أهل قطاع غزة حيث كان على الدوام الابن الذي لم ينجبوه، خاصة للصيادين والفلاحين الذين كان يخرج معهم إلى المناطق الحدودية في البرّ والبحر، وكان بالنسبة إلى المنظمة التي يعمل فيها (ISM) بطلاً بامتياز. كذلك كان بطلاً لكلّ يسار أوروبا الذي يقف مع غزة والفلسطينيين لفضح انتهاكات دولة إسرائيل، وكان الإيطالي فكتور بالذات الذي وصل إلى قطاع غزة عبر إحدى سفن التضامن رمزًا لمحاربة دعاية اللوبي الصهيوني سواء عبر الأفلام الوثائقية التي شارك فيها أو كتابه الذي أصدره عن حرب غزة وتُرجم لأكثر من لغة أو مقالاته الدورية في صحف إيطالية، ولا نغفل عن ذكر إيمانه وحبه وإنسانيته التلقائية والتي تساوي بشرية بأكملها؛ فقد كان فكتور بكل تلك الصفات الشوكة في حلق الحكومتين الإيطالية والإسرائيلية وخاصة اليمين الراديكالي المتطرف، والذي كشفت تسريبات ويكيلكس أنه هدد فكتور قبل عامين.

كما نشرت الصحف الإيطالية قبل مقتل فكتور بأيام قليلة أنّ رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، تحدّث هاتفيًا مع رئيس وزراء إيطاليا برلسكوني وكان الأخير قد وعده بأن يفعل كل ما يستطيعه لوقف سفينة الحرية التي كان من المفترض أن تصل إلى شواطئ غزة خلال شهر أيار/ مايو القادم، وتعتبر إسرائيل العامل المثبت الوحيد لبرلسكوني الذي بدأت فضائحه الجنسية تهزّ عرشه السياسي، وهو بحاجة لدعم سياسي قوي. وفي الجانب الآخر برلسكوني هو الرئيس الأوروبي الوحيد من الاتحاد الأوروبي الذي وعد نتنياهو بأن يوقف السفينة، لأنّ قدوم هذه السفينة في ذكرى الاعتداء على سفينة مرمرة أمر محرج لإسرائيل.

ويُعتبر اليسار الايطالي الذي يقف مع فلسطين الأقوى أوروبياً؛ فقد جاء فكتور بسفينة قبل ثلاث سنوات وبقي حتى خلال الحرب على قطاع غزة، وساهم في قدوم كل سفينة، كما كان يساعد في تنسيق قدوم الأخيرة، الأمر الذي سبّب إحراجًا كبيرًا للحكومة الايطالية.

ويبدو أنّ إسرائيل أحبت تحذير المتضامنين الأجانب وخاصة الإيطالين منهم. فقد قامت في بداية العام الحالي مديرة إحدى المؤسسات الايطالية بزيارة أحد المزارعين بخصوص تنفيذ مشروع يستفيد منه مزارعو المناطق الحدودية، وكان بصحبتها فكتور وإيطاليان آخران وذلك في أرض المزارع على الحدود مع الخط الأخضر. وما هي إلا خمس دقائق بعد مغادرة المديرة حتى تلقت الأخيرة مكالمة هاتفية تخبرها بأنّ المزارع الذي التقته قُتل برصاصة في قلبه من طرف الجنود الإسرائيليين، وكانت هذه أولى الرسائل للمتضامنين. ولكن إسرائيل احتاجت خطة أكثر تدبيرًا ودقة وقوة بحيث تنجح في وقف حدث عالمي ضخم مثل سفينة الحرية، خاصة بعد أن أعطى برلسكوني الضوء الأخضر لنتنياهو، ولم يكونوا يريدون فضيحة علنية تشبه ما حدث للمتضامنة الأمريكية ريشيل كوري حين دهسها سائق البلدوزر الإسرائيلي في مخيم رفح عام 2003.

لو كان بريزات بالفعل مطلوبا لدى حكومة الأردن بسبب أفكاره الإسلامية المستقلة كما يقول والده، فلماذا يطالبون به، ويستقتل الإعلام الرسمي الأردني لبثّ مقابلات مع عائلته؟

كان مقتل فكتور الخطة التي اصطادت عدة عصافير بحجر واحد؛ فقد أربكت حدث سفينة الحرية، وأجّلته، ونجحت في ضرب حكومة غزة مع السّلفيين، وقتلت أكبر رموز التضامن مع غزة ألا وهو فكتور، وهدمت سمعة غزة التي كانت رمزا للأمن والأمان للمتضامين وحتى للدبلوماسيين الأجانب، بل هدمت سمعة فلسطين في سلسلة حوادث غريبة استهدفت إنسانية فلسطين كمكان ومواطنين، واستخدمت إسرائيل في هذه الحوادث أيدٍ عربية وفلسطينية ولكن لتحقيق نوايا إسرائيلية. وهنا أقصد مقتل المخرج الفلسطيني في مخيم جنين جوليانو خميس، ومن ثم مقتل المتضامن فكتور، ولا ننسى وقوع حادث تفجير القدس الغامض والذي لم يعلن عنه أحد حتى هذه اللحظة.

والذي يعرفني ويعرف مقالاتي متأكد من أنني آخر واحدة قد تدافع عن حكومتيْ “فتح” و”حماس”، بل إنني اعتبر أننا ضحايا لهما بشكل أو آخر. ولكنني هذه المرة أرى أنّ حكومة غزة بريئة تماماً كحكومة وحركة من دم فكتور، وما حدث لفكتور لم يأتِ نتيجة قرار سريّ أو علني في الحكومة أو حركة “حماس”، رغم التقارير التي تحاول تسريبها بعض المصادر للتشكيك في الحكومة. فأيّ واحد منا يعرف أنّ مقتل أجنبي في قطاع غزة لن يدفع ثمنه سوى الحكومة نفسها، كما أنّ أية حكومة لديها شكوك في المتضامنين الأجانب على أرضها مهما كانت طبيعة التهم التي قد تكون موجهة إليهم فإنّ أقصى شيء ستفعله هو اعتقالهم والتحقيق معهم كما حدث مع الصحافي البريطاني بول مارتن في شباط/فبراير من العام الماضي، أو إذا خافت على أمنهم فستطلب منهم الخروج كما حدث سابقا مع الصحافية عميرة هَس.

وفي رأيي ورأي العديد من المتابعين أنّ سرعة التصرّف العالية والحاسمة تجاه المتهمين واستجابة الأجهزة الأمنية للغضب الشعبي وغضب الشقّ السياسي في حكومة غزة والذي طالب هذه الأجهزة بعدم التهاون تجاه الحدث، يؤكد ما قاله أحد القادة العسكريين في حركة “حماس” لإحدى وكالات الأنباء العالمية، إنهم مصدومون تمامًا بحادثة مقتل فكتور وإنّ ما حدث يشكّل لكمة في وجه حكومة “حماس” بشقيْها العسكري والسياسي. فهي لم تكن على علم أبدا بنوايا المتهمين، كما أن مستويات التهديد الأمنية تجاه استهداف أجانب كانت قبل اختطاف فكتور نائمة تماما، فعادة في حال ارتفاع مستوى التهديد أو الأمني يتم إبلاغ الحكومة التي تعمل على إعلام الجهات المعنية لتحذير الأجانب.

وفي نفس الوقت لا أرى أن كل هذه المعطيات تبرئ حكومة غزة تماماً، وذلك بسبب عدد من الإشكاليات أولها: التشدد الذي بدأ يتصاعد مؤخرا، والعنف الذي واجهت حكومة غزة به الشق العلماني الليبرالي واليساري في قطاع غزة من مؤسسات ورموز ومبادرات شبابية، مع غض النظر عن نشوء الجماعات الإسلامية المتزمتة في قطاع غزة وإعطائها الأمان طالما أنها تحمل لواء الإسلام- بل سمحت حتى بوجود قيادات سلفية في القطاع قادمة من الخارج في حين كانت الحكومة ذاتها طاردة لقيادات ليبرالية أخرى.

والإشكالية الأخرى التي تتحمل حكومة غزة مسؤوليتها هي السكوت عن الانشقاقات العسكرية داخل صفوفها وهي انشقاقات تعبّر عن تزمّت ديني وسياسي وعنف سلوكي ما أدّى إلى انتماء أعضاء من الشرطة لجماعات متزمتة، الأمر الذي جعل وزارة الداخلية حين أعلنت عن جائزة لامساك المتهمين على صفحة وزارة الداخلية أن تعلنها لرجالها في سلك الشرطة الأمر الذي يدل على فقدان السيطرة وعدم التيقن من العناصر المخلصة لها والعناصر المخلصة لمجموعات سلفية ومتزمتة منشقة داخلها.

وقد سمحت هاتان الإشكاليتان لعميل دولي غير سهل -رغم صغر سنه- مثل البريزات باستغلال نقاط الضعف هذه بحكم قربه وعمله في إحدى الجمعيات الإسلامية التي ترعاها “حماس”، وتذكيته لهاتين الإشكاليتين عبر استعطاف كل من المتهميّن الآخريّن لخطف فكتور وهما محمود السلفيتي وبلال العمري باستخدام قضية السلفية الجهادية، واللعب على وتر اعتقال الشيخ هشام السّعيدني (أبو وليد المقدسي) لدى حكومة غزة، ومن ثم تشويه سمعة فكتور لدى هؤلاء العناصر وليس بشكل اعتباطي بل بشكل مقصود وممتدّ، خاصة في الفترة الأخيرة، بأن فكتور “لديه أجندات تخدم حكومات خارجية ويفسد أهالي القطاع”، الأمر الذي يؤكد أنّ خطف فكتور مقصود وجاء بعد رصد ومتابعة، ولم يكن الهدف أبدا هو اختطاف أي متضامن أجنبي.

فيديو الاختطاف صوّر بعد مقتله، حيث قال أحد الأطباء الايطاليين بمجرد رؤيته: فكتور ميت في الفيديو… حركة فكه في الفيديو حركة طبيعية تستمرّ لفترة كردّة فعل في حال مات الشخص مشنوقاً، وهو ما أكده الطبيب الشرعي في قطاع غزة

وكانت خطة بريزات التي نفذها كالتالي: استغلال محمود السلفيتي الذي يعمل لدى الدفاع المدني الكائن مقابل شقة فكتور عند ميناء غزة، حيث كان السلفيتي صديقًا لفكتور واستدرجه لخطفه وقد رأته إحدى الأجنبيات يتحدث إلى فكتور في ذلك الوقت في الشارع بعد قدوم الأخير من رفح، حيث كان في عزاء شباب قتلوا ضحية للعمل في الأنفاق. وكان في طريقه إلى النادي الرياضي حين بلّغ السلفيتي الخلية عن تحركاته.

وفي العموم، من ملاحظاتي عن فكتور أنه  كان لا يرى خوفا من التعامل مع عناصر الشرطة، وأفراد الأمن بل على العكس، فقد كان صديقا للعديد منهم. وتمت عملية الاستدراج بالفعل، وتم قتل فكتور بمجرد وصول الخلية بصحبة فكتور إلى الشقة، أما الفيديو الذي تم تصويره ونشره في ليلة اختطاف فكتور فقد كان بعد مقتله، لأنّ فكتور كان ميتاً خلال تصوير الفيديو. فكما قال أحد الأطباء الايطاليين بمجرد رؤيته للفيديو: إنّ فكتور ميت في الفيديو الذي أعطوا فيه مهلة 30 ساعة للحكومة، موضحًا أنّ حركة فكه في الفيديو هي حركة طبيعية تستمر لفترة كردة فعل في حال مات الشخص مشنوقاً، وهو ما أكده الطبيب الشرعي في قطاع غزة بأنّ فكتور تم قتله خنقاً بحبل أو قطعة بلاستيك، إضافة إلى أن رأسه يكاد يقع خلال أقل من ثانية أثناء الفيديو لأنه ميت أصلا وأن إمساك رأسه في الفيديو كان حتى لا يقع ويظهر موته، وكذلك تغطية عينيه ورقبته كي لا تظهر علامات خنقه. ويرى الطبيب أنّ تكرار اللقطة وحركة الكاميرا هي التي تعطي انطباعا انه ليس ميتا ولكن هذا ليس صحيحًا.

وحول إذا ما كان الفيديو ينتمي بالفعل إلى حركة سلفية فهذا أمر مستبعد تماما، فهو مفبرك، رغم أنّ الفيديو تبنى قضية اعتقال السعيدني ومبادلته بفكتور، ووضع علم الجماعة السلفية وذلك لعدة أسباب: حين نرى حديث السعيدني مع المتهمين أثناء هجوم الأجهزة الأمنية على المنزل الذي حوصروا فيه قبل أيام قليلة نرى أنه يوجه إليهم حديثا عاما لا يدلّ على أنه يعرفهم بل يطمئنهم أنّ أموره خلصت وسيخرج وأنهم يجب أن يسلموا أنفسهم. فكما هو واضح أنه يتكلم إلى أشخاص قد يكونون أخلصوا لفكرته ولا يتكلم مع أعضاء من جماعته بالتحديد، إضافة إلى أنّ الفيديو لا ينتمي بالمطلق لنوعية فيديوهات القاعدة أو الجماعات السلفية المتعارف عليها، لأنّ تلك الفيديوهات ذات تقاليد معينة في تلاوة مقدمة وأدعية قبل أن يتم عرض الرهينة التي غالبا نراها تتحرك وتتكلم ولا يمسك رأسها أحد كي يعطي انطباعًا بأنها على قيد الحياة. كما تمتاز فيديوهاتهم بتكنولوجيا عالية، في حين أنّ هذا الفيديو قصير جدا وغير متقن، وليس فيه أيّ صوت فقد تم تركيب أغنية، ما يؤكد أنه فيديو مفبرك قصد منه العقل المدبر بريزات أن يتم نسبه للجماعات السلفية التي نفت لاحقاً أن يكون لها علاقة بالأمر جملة وتفصيلاً عبر مؤتمر صحافي وفي فيديو بثته، كما أنهم شاركوا في خيمة عزاء فكتور.

شيء آخر هام يجب ذكره أنه بحسب تحقيقات أمنية في غزة فقد حدث جدل حول قتل فكتور بين المتهمين في الشقة التي تقع في حي الكرامة في شمال قطاع غزة، فلم يكن كل من العمري والسلفيتي يرغبان في قتله، ولكن بريزات أصرّ على قتله بحجة أنه كافر ومخرب، ولم يكن يعرف أيا من شركائه أنّ بريزات خطف فكتور لأنه يريد قتله، أو بسبب أوامر جاءته من الخارج .

إذًا، بريزات استخدم الانشقاقات المتعصبة داخل الجانب العسكري في حركة “حماس” ليشوّه سمعة فكتور، وروّج “لنقاء قضية هشام السعيديني وأنّ حكومة غزة كافرة وانحرفت عن الصواب” وذلك كي يقنع بلال العمري والسلفيتي بعدالة اختطاف فكتور على أن يعطوا مدة لفك سراح السعيدني. ولكن ما استغربوه هو قتل البريزات لفكتور من أول ساعة لاعتقاله، ومن ثم الهروب على أمل أن يخرج من الأنفاق كما دخل منها، لكنّ غضب حكومة غزة وسرعة تصرّفها جعل خطته غير مكتملة إذ علق في القطاع، ومن ثم كانت المواجهة المسلحة التي اسفرت عن مقتل العمري وبريزات. وسواء الأجهزة الأمنية قتلت البريزات أو هو أطلق النار على نفسه -حسب شهود عيان هناك ثلاث طلقات في صدره وأخرى في حلقه- ففي النهاية الأمر سواء. وليس من مصلحة حماس إبقاؤه في قطاع غزة لأنه سيتم المطالبة به دوليا لعدد من الجهات، وهذا ما حدث مع جثمانه حين طلبت الخارجية الأردنية استرداده عبر معبر إيرز، وهو الأمر الغريب. فلو كان بريزات بالفعل مطلوبا لدى حكومة الأردن بسبب أفكاره الإسلامية المستقلة كما يقول والده فلماذا يطالبون به، ويستقتل الإعلام الرسمي الأردني لبثّ مقابلات مع عائلته، الأمر الذي يدلّ على  مدى قرب بريزات من حكومة الأردن، وكان الحل إما أن يقتل نفسه وهو ما قد يفعله أي عميل يريد أن يخفي أسراره، أو تقتله الحكومة كي تتخلص من شخص مزروع على أرضها قد يأتي لها اعتقاله بصداع لن ينتهي، ولكنه الأمر الذي أستبعده. فقد كان من الممكن أن تقتله الأجهزة الأمنية منذ اقتحمت المنزل الذي تحصنوا فيه في النصيرات بوسط قطاع غزة، فلم يكن مع البريزات وزملائه سوى مسدسين وقنابل لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، واستخدم البريزات واحدة منها ليصيب بلال العمري بعد أن سلم السلفيتي نفسه.

يجب ألا ننسى أنّ فكتور كان مرعوبًا من قصة وعود برلسكوني لنتنياهو، لدرجة أنه سأل أحد أصدقائه الفلسطينيين المقرّبين له في جلسة بالجاليري في غزة بعد حيرة كبيرة: “ممكن عبر السلفيين؟”

إذًا، اتفاق نتتياهو وبرلسكوني للتخلص من الطابع الإنساني لحصار غزة والتضامن الدولي مع فلسطين وتشويه سمعة الإنسان فيها، جاء عبر حادثة قتل فكتور التي أصابت القضية الفلسطينية بالصّميم. كما أنّ جميع أصدقاء فكتور كانوا يعرفون أنّ فكتور قد حجز للسفر عبر معبر رفح البري يوم 28-3-2011، ولكنه بقي يؤجل حتى ينتهي من بعض مهامه الإنسانية، وكان على وشك أن يخرج في الأسبوع ذاته الذي قتل فيه متوجّهًا إلى إيطاليا وهو بالفعل ما حدث- لكن في كفنه. فلماذا كانت جهة محلية ستقتل متضامنا كان في طريقه للمغادرة، في حين أنّ استعدادات يسار أوروبا لاستقباله ومساهمته في إرسال سفينة الحرية هو الذي يثير الشكوك أمام مؤامرة دولية لقتله؟!

ويجب ألا أنسى ذكر أن فكتور كان مرعوبا من قصة وعود برلسكوني لنتنياهو لدرجة أنه سأل أحد أصدقائه الفلسطينيين المقربين له في جلسة بالجاليري بغزة بعد حيرة كبيرة :”ممكن عبر السلفيين؟”، ومن الطبيعي أن أستفسر من هذا الصديق حول قلق فكتور الذي ساوره في آخر أيامه إذا ما قام أحد السلفيين بتوجيه تهديد له، لكنّ الصديق أكد أنه لو حدث ذلك لشكى إليه فكتور الأمر.

برأيي، كانت هناك تهديدات بالفعل وصلت فكتور لكن ليست محلية بل هي دولية. فقد قام فكتور بتحويل حسابيْه على الفيسبوك إلى أحد أصدقائه في ايطاليا، وذلك يوم 9-4-2011 والذي كتب له قبل موت فكتور على الوول الخاص به، أن حسابيك على الفيس بوك في أيد أمينة.

أنا هنا أكتب ما توصلت إليه بعد أيام عديدة من التحليل والقلق الأمر الذي كاد يصيبني بجلطة في محاولة أن أضع كل قطعة من قطع “البازل” في مكانها لتكتمل الصورة. ولا أدري ما الذي سيتم الإعلان عنه في التحقيقات التي من المفترض أن تعلن عنها الأجهزة الأمنية في حكومة غزة عن قريب، كما لا أدري في حال تم إيجاد اللابتوب المفقود الذي يملكه فكتور إذا كان هذا سيضيف شيئاً جديداً لهذه التحقيقات أم لا. ولكنني أضع بين أيديكم حقيقة مقتل فكتور كما أراها بعد مقابلات مع أصدقاء لفكتور ايطاليين، ومنهم محامون وأطباء، إضافة إلى عدة مقالات أجنبية ومقابلات مع شهود عيان وأعضاء من جماعات إسلامية.

في حال كان عندكم جديدا اكتبوه لي..


(غزة؛ 24-4-2011؛ عن مدونة أسماء الغول)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

6 تعقيبات

  1. تحياتي اسماء ، تحليل اكثر من رائع

  2. أنت رائعة يا أسماء ، تحليل منطقي ويضع اغلب النقاط على الحروف. آمل أن نوافينا بما هو جديد حول هذه القضية.

  3. بريزات هو رجل مخابرات اردني وعميل مخابرات لعده جهات في المخابرات الدوليه

    بمعنى انو اتى على غزة لفبركه الأمور في القطاع وضرب الحركات الأسلامية ببعضها

    نحن نعلم ان السلطه الفلسطينيه والأردن ومصر من شركاء خارطه الطريق مع اسرائيل وامريكا
    فعندما ذهبت مصر احست الأردن والسلطه بالعجز فلذلك تريد الأردن ان تضعف حكومه غزه
    فعن طريق رجال مخابراتها في كل مكان وهو تابع رسمي للcia

  4. Sorry to Mohammad, i trid to click on like but i don’t know what happened my hand slept, i totally agree with you and i think that Asmaa is making a lot of sence and innshallah, the truth will prevail.thank you for your honesty .

  5. هام ,مقنع ومؤلم…
    شكرا اسماء على الجهد والمسؤلية في كشف امور في غاية الاهمية

  6. كثير منطقي ومقنع تحليلك يا اسماء لكن يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>