حطّموا أصنامكم وانهضوا/ وديع عواودة

لا مفرّ من نفض غبار تقاليد أنماط تفكير وسلوك: غبار تقاليد اجتماعية أكل عليها الدهر وشرب وبال.. تتجلى بقتل النساء وإغلاق الشوارع لتنظيم حفلات زفاف وجرائم قتل وعدوانية وطيش في الشوارع وتضخم الدجل الاجتماعي والسياسي والكذب والنفاق والرياء وانتهاك الصالح العام

حطّموا أصنامكم وانهضوا/ وديع عواودة

فتية فلسطينيون يزرعون الشجر في يوم الأرض الأخير. هل سيزرعون براعم مستقبلهم بعيدا عن القيادات الحالية؟

 ..

|وديع عواودة|

وديع عواودة

طالما أننا، نحن العرب الفلسطينيين في إسرائيل، جزء لا يتجزأ من الشعوب العربية، فما هو نصيبنا من ربيعها ومن حركة تاريخها البركانية منذ فجّرها البوعزيزي؟ حتى الآن لم نثُر… بل لم نحتجّ على ممارسات مانح مواطنة من البلاستيك مقابل وطن أخضر يستأثر بموارده ويلقي ببعض فضلاته نحونا.

حتى الآن تستريح وتستكين القيادات السياسية والاجتماعية بيننا مُتكئة على مخدات من حرير، لأنّ نسائم ميادين التحرير لم تهبّ ولم تلفح ولو واحدًا من وجوه هذه القيادية الكالحة. ما كان هو ما سيكون- هكذا يبدو. الرئيس رئيس والنائب نائب والأخطر يتعدى  بكثير انعدام استبدال وجوه السياسة العربية المحلية ومرتبط بالجوهر؛ فالوجوه كما تدلل عليها تسميتها هي القشور والعوارض ومرايا لما هو دفين وعميق. عندما يطال التغيير النظام –الجوهر- تتساقط القيادات المستأثرة والمستبدّة بمصائر العباد، كتساقط أوراق الخريف. صحيح، لا رئيس لنا سوى رئيس المتابعة أو القطرية؛ لا دولة ولا خيولًا ولا وزراء تحولوا مع الأيام للصوص وسماسرة لكن لدينا الكثير ممّا يبرّر الغضب والاحتجاج ويستدعي التغيير. عوضًا عن خروج الشباب وجيل الفيسبوك للشوارع والميادين للهتاف بإسقاط النظام والحكام، هذه فرصة لخضّ النفوس والعقول والقلوب وحضّها نحو التفوق على الذات. فكي لا يفوتنا قطار التغيير، لا مفرّ من نفض غبار تقاليد أنماط تفكير وسلوك: غبار تقاليد اجتماعية أكل عليها الدهر وشرب وبال.. تتجلى بقتل النساء وإغلاق الشوارع لتنظيم حفلات زفاف وجرائم قتل وعدوانية وطيش في الشوارع وتضخم الدجل الاجتماعي والسياسي والكذب والنفاق والرياء وانتهاك الصالح العام وغيرها.

تنوء دور العبادة اليوم تحت وزر أقدام المصلين المتدافعين ليل نهار للصلاة لجمع حسنات في حساب مؤجّل؛ نتنافس في بناء المساجد ولا نقول صباح الخير لجار العمر. نجمع التبرّعات للصّومال ونحن ننهش لحم بعضنا البعض ويقتل أحدنا ابن عمه على خلاف حول موقف لسيارة؛ نقيم موائد الرحمن في رمضان للكبراء والوجهاء دون الفقراء؛ يعد الأكاديميون بعشرات الآلاف ولا نحسن العمل الجماعي؛ جمعياتنا الأهلية كل منها يغني على ليلاه؛ نشكو إلغاء العربية لغة رسمية ونحن نتنفس عبرية بلساننا ولافتاتنا وأسماء محالنا التجارية؛ عندنا حركات وأحزاب تفضل معظم الأحيان حبة قمح لكلّ منها على سنبلة الجميع أو بيادر غلال تنفع الجماعة.. تمعن كما كانت في الاستزلام وتحويل ذاتها لبقرات مقدسة رموزها أصنام.. وفي الشعائر والممارسات تنافس عبادة الحزب عبادة الوطن.

تختار القيادات المعارك الوهمية من على منبر الكنيست وعلى صفحات المواقع والصحف؛ فهي كلام عقيم لكنه “سهل ومريح”

ربما هو الانتقال من المجتمع الفلاحي للبرجوازي، الأبوي للفردي، الأسرلة والتدجين والعولمة وربما كافتها. ولكن المهم أنّ النظام الاجتماعي معتلّ ويحتاج لهزة وحركة تحوّل.

في عملية جرد حساب متشدّد بعض الشيء لعقود خلت، هذه في الواقع حالة النظام السياسي- فهو الآخر متقادم ومهترئ. الأحزاب والحركات كثيرة وقليلة بركة، لأنها منشغلة بحالها وبتناحراتها وبتجييرها مختلف صنوف الاحتجاج الجماهيري لصالح الكنيست، حنفيتنا الأخيرة. المتابعة باتت تحتاج فعلا للجنة تتابعها بعدما صارت ضحية لخلافات أقطاب السّياسة وضحية لضعفها التنظيمي والمالي، هيبتها السياسية مخدوشة بعيون أهلها ووسط كل ذلك ما زالت نواطير بلادنا الإعلامية تنام عن ثعالبها السياسية. ويشهد الفساد في السلطات المحلية العربية في السّنوات الأخيرة ازدهارًا حتى باتت لعبة مصافحة اليد لليد مفضوحة، فوق الطاولة كما يقال بعدما جفّ الحياء في الوجوه وصار الفاسد ينعت بـ”الشاطر” و”الفهلوي”، وفي ذلك قيل حديث نبوي في غاية الجمال والتعبير، حديث الرويبضة.

تكاد تعد على أصابع اليدين وربما اليد الواحدة تلك المجالس البلدية غير الغارقة بالفوضى والفساد بمعنى المحسوبيات والسرقة والسمسرة. في معظم المدن والقرى العربية سيطر السماسرة على قسائم البناء المخصّصة لعامة الناس من قبل “مديرية أراضي إسرائيل”، فازدهر سوق العمالة والسمسرة تحت أنف ومساعدة معظم الرؤساء والمهندسين وكبار الموظفين. تضيق أزمة السكن يومًا عن يوم ولا يخرج من لا يجدون مأوى للاحتجاج وننشغل ببعض خيم تكاد تغرق ببحر من جدل زائد حول سؤال أخرق: هل خيام تل أبيب خيامنا؟.. فيبقى صوتنا خجولا خافتا هنا وهناك.

ربما يكون استنكافنا عن الاحتجاج الحقيقيّ هو اليأس من آفاق التغيير؛ صراعات الأحزاب وتناحر القيادات؛ سرقة البرلمان للميدان؛ هيمنة عقلية اللهم أسألك يا نفسي. وربما هو الخوف الدفين من مواجهة جديدة مع السلطة بعدما اكتوى وعي الناس بنار أكتوبر قبل عقد ونيف وربما كل ذلك.

لا بأس في أيّ المقاربات أصحّ في التشخيص، لكن النتيجة الواضحة أنّ الجسد معتلّ وربما الرأس أكثر مرضًا من بقية الأعضاء. ولو تحلت القيادة بمسؤولياتها وتفوقت على حساباتها الفئوية لوجدت طاقات ومواردَ من مختلف المعادن تنتظر من يصقلها ويقودها لجادة الصواب في روتشيلد وخارجها.

على ما يشبه هذا النظام السياسي الاجتماعي الفاسد رغم اختلاف الظروف والتسميات، خرجت شعوب عربية لمواجهة الحديد والنار فلماذا احتجاجنا على ظلم إسرائيل وظلمنا لذاتنا غائب أو يكاد يكون جعجعات إعلامية. بذلك تتحمل القيادات السياسية والاجتماعية ثلاثة أرباع المسؤولية لاختلال أولوياتها وتورّطها بالنظر لما حولها من خرم إبرتها الحزبية وانشغالها بالخاصّ والذات. تدرك هذه القيادات حيوية الموازنة بين القومي والمدني: مقارعة السلطة المركزية وبين إصلاح البيت الداخلي، وتعلم بقرارة نفسها أنّ معاركنا اليوم دونكيشوتية لأنّ تفشي العنف وجرائم القتل واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية وقتل العمل الجماعي قد استنزفتنا حتى بات خروجنا من أجل حماية الحقّ بالمسكن مثلا كملاقاة دبابة بالسيف.. نعلن حربا من أجل حقوق أساسية ولم نعدّ لها لا رباط خيل ولا رباط حذاء.. ولا يحزنون.

تدرك القيادات ذلك جيدا لكنها تختار المعارك الوهمية من على منبر الكنيست وعلى صفحات المواقع والصحف؛ فهي كلام عقيم لكنه “سهل ومريح”. أما الجبهة الداخلية فتحتاج لعرق وجهد وتضحيات كي يشرع في بنائها.

بدلا من العمل الميداني صار كثيرون من القادة يستثمرون جهل واعوجاج معايير العامة فيستبدلون قيادة البناء والإصلاح بزيارة بيوت العزاء والأفراح.. “يثبّت” وجوده ويمضي متنقلا بين مدينة وقرية زاعمًا أنه غير متقوقع في صومعة البرلمان ويكاد يغرق في الميدان.

على هذا الواقع وعلى حالنا أولا نحتاج لانتفاضة، لعملية بناء للذات قبل الخروج للآخر ومطالبته بالحقوق ولا بدّ من تحطيم الكثير من الأصنام -القيادات الصّمّاء- حتى نعتلي جادة التغيير، وهذه مهمة الشباب: فكل شيء لهم وبأيديهم إن نووا وتنظموا.

(عن صحيفة “حديث الناس”)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. البراعم لا تزرع!

  2. اللهم أحرس لنا نوابنا في البرلمان من شرور النقاد والعذال فبدونهم لن نتدبر أمرنا في الصراخ على إسرائيل

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>