أكتب لطفل لم يولد بعد/ وليد دقة

السجن كالنار يتغذى على حطام الذاكرة.. وذاكرتي، يا مهجة القلب، غدت هشيماً وجفّ عودُها. أهرّبها مدونة على ورق حتى لا تحترق بنار السجن والنسيان.. أما أنتَ، فأنتَ أجمل تهريب لذاكرتي

أكتب لطفل لم يولد بعد/ وليد دقة

لوحة "ساحة السجن" للفنان الهولندي فنسينت فان غوخ


|وليد دقة| خاص بـ “قديتا”

الأسير وليد دقة

أكتب لطفلٍ لم يُولد بعد..

أكتب لفكرة أو حلم بات يُرهب السّجان من دون قصد أو علم، وقبل أن يتحقق..

أكتب لأيّ طفل كان أو طفلة..

أكتب لابني الذي لم يأتِ إلى الحياة بعد..

أكتب لميلاد المستقبل، فهكذا نريد أن نسميه/نسميها، وهكذا أريد للمستقبل أن يعرفنا..


عزيزي ميلاد؛

اليوم، أنهي عامي الخامس والعشرين في السجن. تسعة آلاف ومئة وواحد وثلاثون يوماً وربع اليوم. إنه الرقم الذي لا ينتهي عند حدّ؛ إنه عمري الاعتقالي الذي لم ينتهِ بعد.

أيهما الجنون: دولة نووية تحارب طفلاً لم يُولد بعد فتحسبه خطراً أمنياً، ويغدو حاضراً في تقاريرها الاستخبارية ومرافعاتها القضائية.. أم أن أحلم بطفل؟

وها أنا قد بلغت الخمسين، وعمري قد انتصف بين السّجن والحياة، والأيام قد قبضت على عنق الأيام. كل يوم أمضيته في السجن يقلب “شقيقه” الذي أمضيته في الحياة، ككيس يحاول إفراغ ما تبقى به من ذاكرة.. فالسجن كالنار يتغذى على حطام الذاكرة.. وذاكرتي، يا مهجة القلب، غدت هشيماً وجفّ عودُها. أهرّبها مدونة على ورق حتى لا تحترق بنار السجن والنسيان.. أما أنتَ، فأنتَ أجمل تهريب لذاكرتي.. أنت رسالتي للمستقبل بعد أن امتصّت الشهور رحيقَ أخوتها الشهور.. والسنون تناصفت مع أخواتها السنين..

أتحسبني يا عزيزي قد جننتُ؟؟ أكتب لمخلوق لم يُولد بعد؟؟

أيهما الجنون: دولة نووية تحارب طفلاً لم يُولد بعد فتحسبه خطراً أمنياً، ويغدو حاضراً في تقاريرها الاستخبارية ومرافعاتها القضائية.. أم أن أحلم بطفل؟؟

أيهما الجنون.. أن أكتب رسالة لحلم أم أن يصبح الحلم ملفاً في المخابرات؟؟

أنت يا عزيزي تملك الآن ملفاً أمنياً في أرشيف الشاباك الإسرائيلي.. فما رأيك؟؟

هل أكفّ عن حلمي؟

سأظلّ أحلم رغم مرارة الواقع.. وسأبحث عن معنى للحياة رغم ما فقدته منها..

هم ينبشون قبور الأجداد بحثاً عن أصالة موهومة..

ونحن نبحث عن مستقبل أفضل للأحفاد.. لا شكّ آتٍ..

سلام ميلاد.. سلام عزيزي..


(الكاتب أسير سياسيّ، زامن أمس الجمعة، 25 آذار، الذكرى الخامسة والعشرين لسجنه خلف القضبان الإسرائيلية. وليد يحلم منذ ثماني سنوات بإنجاب طفل من زوجته وهو يدير معركة قضائية وإدارية ضد السلطات لهذا الغرض، إلا أنّ السلطات الإسرائيلية تعارض لأسباب أمنية!)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. يا حبيبه سرقوا مني لباس عيدي

    وسلبوني الهويه

    وتهمونني أٌنني لا أبالي بالقضيه

    وبررو جريمتهم الغبيه

    نفوني قبل أن أولد

    وقالوا لي قبل اليد التي منحتك الجنسيه

    أعذروني فما زلت لا أفهم ما هو الوطن

    فأنا فوق تشردي غبيه

    بحثت مطولا في قاموس اللغات بحثاً عن معنى الوطن

    فما وجدت غير البندقيهSee More

  2. بالنسبة للأسير نقول: فرج الله كربه.
    بخصوص اللوحة المرفقة فهي جميلة جدا بشكلها ومضمونها، لأن غالبية ساحات السجون -قديما وحديثا- تكون “الفورة” فيها دائرية.

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>