يحيى حسن بين المطرقة والسّدان/ فلسطين إسماعيل

يحيى حسن بين المطرقة والسّدان/ فلسطين إسماعيل

شاب من عائلة لاجئة فلسطينية وصلت إلى الدانمرك من بعلبك في لبنان. اِستقرّت العائلة في غيتو بمدينة أرهوس الدانمركيّة حيث الغالبية هناك من اللاجئين أو المهاجرين من دول مختلفة • اليوم يكتب الشعر الجريء وهو عالق بين مجتمعه المسلم والغرب الاستشراقيّ

يحيى حسن. تعرّض للهجوم الجسديّ

يحيى حسن. تعرّض للهجوم الجسديّ

.

|فلسطين إسماعيل|

“جيل والدي هو الجيل الذي خلق المشاكل التي يعيشها جيلنا الآن، ربّونا على فكرة أن من لا يشبههم يجب محاربته. لذا هناك الكثير من الأجانب السيئين والذين لا يعترفون بالمجتمع الذي يعيشون فيه”. هذا ما قاله يحيى حسن الذي يكتب الشعر ولا يتعدى الثامنة عشرة من العمر، في مقابلة أجريت معه في التلفزيون الدانمركي. هذا التصريح وغيره من التصريحات الجريئة وغير المسبوقة جعلت منه موضوعَ الساعة منذ ما يقارب نصف السّنة ولغاية الآن.

يحيى حسن شاب من عائلة لاجئة فلسطينية وصلت إلى الدانمرك من بعلبك في لبنان. اِستقرّت العائلة في غيتو بمدينة أرهوس الدانمركيّة حيث الغالبية هناك من اللاجئين أو المهاجرين من دول مختلفة. هذا الشاب الفلسطيني أقام الدنيا ولم يقعدها منذ 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2013، حين أجريت مقابلة معه في صحيفة بوليتين الدانمركية وتلتها مقابلة في التلفزيون الدانمركي.

يقول حسن عن دور الوالدين إنه حالَ نزلا من الطائرة ووصلا إلى مطار كاستروب (في كوبنهاجن)، كأنّ دورهما كوالديْن وصل إلى نهايته واستبدلاه بالاسترخاء على الأريكة مع جهاز التحكّم عن بُعد في أيديهما. تعرّض حسن للضرب المبرح على يد والديْه، كبقية أصدقائه. ويقول في هذا السياق إنّ والده أمضى وقته بالبحث عن طرق مختلفة لمعاقبته ومعاقبة اخوته؛ فعلى سبيل المثال، “كان الوالد يجبرنا على الوقوف على ساق واحدة ووجهنا للحائط لساعات متواصلة، ويدانا ممدودتان للجانبيْن”.

ترك حسن المدرسة في سن الثالثة عشرة من عمره وقبض عليه بسبب أعمال إجرامية، وهو يذكر بوضوح عندما جاءت الشرطة بمرافقة أخصائي اجتماعي إلى بيته وطرقت الباب. ركضت اخته لتفتح الباب وهي تبكي والمخاط يسيل من أنفها: “كان هذا تجسيدًا لمشهد البؤس والعفن في طفولتي”- قال. وحصل التحوّل لدى حسن حين بدأ يقرأ الكتب، واكتشف أنه يستطيع كتابة الشّعر، وكان قد مارس قبله فنّ الراب لفترة طويلة، حيث هاجم في نصوصه حزب الشعب الدانمركي المعروف بمعاداته للمهاجرين وللجالية المسلمة تحديدًا.

يحيى حسن غاضب من والديه أولا، وهو يحمّلهما مسؤولية عدم اندماجه في المجتمع الدانمركيّ ووصوله إلى الجريمة. ويعبّر حسن عن غضبه وانتقاده لعائلته وطريقة حياة الناس في الغيتو، ولا يستثني مُشرفي الإصلاحيات وموقفه من الدين، شعرًا. ولا يبدو عليه أنه يخاف أحدًا.

أصدر حسن ديوانه الشعريّ الأول والذي يحمل اسمه “يحيى حسن” في تشرين الأول/ أكتوبر 2013. وفي حديث مع دار النشر أكدوا طبع مئة ألف نسخة من الديوان، من دون التطرّق إلى عدد النسخ المُباعة، وهذا رقم كبير جدًا إذا ما قارنّاه بما يُطبع عادة لكتب ودواوين لكتاب وشعراء دانمركيين حيث لا يتعدّى عدد النسخ المطبوعة 800 نسخة (في سنة 1998 فقط، نشرت مجموعة شعرية على امتداد 40 سنة لشاعر دانمركيّ وبيع من المجموعة 130,000 نسخة). وسيتُرجم الديوان إلى لغات عدّة، منها الإنجليزية، وستقوم المدارس الدانمركية لاحقا بتدريس بعض من شعره.

كان تعليق النقاد على شعره إيجابيًا جدًا، حيث أثنوا على قدرة حسن الهائلة في التعبير عن غضبه وأيضًا عن استخدامه اللغة الدانمركية بطريق لم يعتقدوا هم أنفسهم بأنها مُمكنة. وأثار ديوان حسن والمقابلات التي أجريت معه في الاعلام الدانمركي غضب العديد من المجموعات، وذلك لتطرّقه، أيضًا، إلى موضوع الدّين؛ ففي مقابلة له مع صحيفة “بولتيكن” اليومية الدانمركية يقول حسن: “يحتوي الاسلام على الكثير من العدائية، هناك فصل حادّ بين المؤمنين وغير المؤمنين. هذا الدين في عيني مسؤول عن انعدام التفاعل مع المجتمع الآخر ومع الإنسان المختلف. بالنسبة للإسلام فإنّ كلّ الآخرين مخطئون وأقلّ قيمة”. كما ترى هذه المجموعات أو جزء منها أنّ حسن ينشر الغسيل الوسخ أمام الآخرين، وهذا أيضًا غير مقبول في المجتمع العربيّ المحافظ.

من جهة أخرى، تعاطفتْ مع حسن ومع شعره فئتان، الأولى من اليسار والمركز الدانمركييْن، حيث رأت فيه الجيل الجديد للمهاجرين الذي يعبّر عن نفسه ويطرح أمورًا عديدة، على المجتمع الدانمركي التداول فيها والتعاطي معها. أمّا الفئة الثانية فهي من أحزاب سياسة متطرّفة تكنّ العداء للمهاجرين واللاجئين والمسلمين خاصة، فقد رأت هذه الأحزاب بحسن الدليل على الشاب الفلسطينيّ المسلم الذي أراد الاندماج في مجتمعه وحالت عائلته وبيئته دونَ توفير ذلك. هذه المجموعة تحديدًا لا ترى أنّ جزءًا لا يتجزّأ من مشكلة غير الدانمركيين في الدانمرك ناتجة أيضًا عن بعض سياسات الحكومات الدانمركية السّيئة تجاه من هو غير دانمركيّ. ولهذا كله، تلقى حسن أكثر من 27 رسالة تهديد، كما تعرض إلى هجوم من شاب في محطة قطار كوبنهاجن، لذا فإنه لا يستطيع السير في الشارع من دون حماية. ويبدو أنّ حسن لا يخاف التعرّض لمثل هذا الهجوم؛ فبدل التقوقع رجع إلى بيته وكتب قصيدة تعبّر عن استيائه من هذه الحادثة.

حصل يحيى حسن على اثنتيْن من أهمّ جوائز الأدب في الدانمرك منذ بداية السنة الحالية 2014، الأولى جائزة بوليتيكن للأدب والثانية جائزة ويكيند أفيز (صحيفة أسبوعية). ومن الجدير ذكره أنّ من يصوّت على اختيار صاحبة أو صاحب هذه الجوائز هم قراء هذه الصحف أنفسهم. ويدرس حسن الآن في مدرسة المؤلفين والكتاب في كوبنهاجن.

يحيى حسن شاب استثنائيّ يطرح أمورًا كثيرة محرّمة في مجتمعاتنا العربية، ابتداءً بأخطاء الأهل في التربية ووصولاً إلى موقفه الشخصيّ من الدين. ويجد هذا الشاب آذانا صاغية إلى درجة المبالغة في المجتمع الدانمركيّ، كما بات يملك شهرة لم يتمتع بها الكثير من الكتاب والشعراء الدانمركيين في السنوات الأخيرة. يحيى حسن -برغم الخلاف والاختلاف معه- له الحق وكلّ الحق بالتعبير عن ذاته؛ فلتغضب فئات وترضى فئات، لكن تبقى حريته الشخصية وتجربته المريرة ملكًا له لا يمكننا حتى ولو تشاركنا معه باللغة والثقافة والدين أن نتدخل فيها. ففي نهاية الأمر، يظلّ وحيدًا بين مطرقة تخلّفنا وسدّان الاستشراق الغربيّ. فلنتركه وندعه يأخذ الفرصة حتى يتعلم ويتطوّر ويصل إلى ما يشاء.

(كوبنهاجن؛ 26 نيسان 2014)

.

مجموعة من أشعار حسن مترجمة إلى العربية

|ترجمة: نوال تهاينة|

طفولة
خمسة أطفال يقفون في طابور وأب مع هراوة
بكاء جماعيّ وبركة بول
نمدّ أيدينا إلى الأمام
نعرف ما ينتظرنا
ذلك الصوت عندما تنهال الضربات
أختٌ تقفز بسرعة
مبدّلة قدمًا بأخرى
البول يتدفق على ساقيْها مثل شلاّل
تمدّ اليد الأولى ثم اليد الثانية
إذا تأخّرت تقع الضربات أينما اتّفق
ضربة ثم صرخة الضربة 30 أو 40 وبعض الأحيان 50
والضربة الأخيرة على المؤخرة في الطريق إلى الباب
يرفع أخي من الكتفيْن ليعدّل وقفته
يستمرّ بالضرب والعدّ
أَنظر إلى الأرض منتظرًا دوري
أمّي تكسر الصحون في الممرّ
في الوقت نفسه تبث قناة “الجزيرة”
البلدوزرات التي لا تهدأ وأجزاء جسد ممتعضة
قطاع غزة تحت شمس مشرقة
علم يحترق
إذا لم يعترف صهيونيّ بوجودنا
هذا إذا كنا موجودين أصلا
عندما نشهق الخوف والألم
عندما نحاول التقاط النفس ونلهث لمعرفة السبب
في المدرسة علينا ألا نتكلم العربية
في البيت علينا ألا نتكلم الدنماركية
ضربة ثم صرخة ثم عدد
.

سلام حبيبي
كنت أقلم قطعة خشب في المدرسة
عندما أعطتني المعلمة ذلك الهاتف
الذي يتصلون دائمًا به مع أبي
ماذا فعلت الآن سألت؟
رفعت السّماعة إلى أذني
ولكنها كانت أمي
قالت إنها سافرت بعيدًا
بدأت أبكي في ورشة المدرسة
البارحة مساء أدخلونا إلى غرفة المعيشة
وأغلق باب غرفة النوم
صوت من وراء الباب وتلصّص من فتحته
أمي يلتفّ سلك حول عنقها
فتحت الباب فخلع حزامه
فهمت أنه يجب عليّ البقاء في غرفة المعيشة

.

إبعاد قسريّ
آخر مرة كنا معاً كنا نوجّه جبهاتنا إلى الحائط
تنهمر الدموع على الخدود إلى حدّ الألم في الحلق
زوجة جديدة
أولاد جُدد
اِنتقلنا حيث تسكن أمي في مجمع قريب
لكنكم تعرفون القصّة
مشرفة اجتماعية قدمت إلينا وبيدها قطعة ورق
مع اثنين من عناصر الشرطة الذين يؤدّون واجبهم فقط
أمّي تقول:
لا تأخذوا ابني إنه العيد غدًا
ولكنها تلك الأوراق
فلبست حذائي المهترئ
وقبلتكم وداعًا على الأجبنة
ركلت المشرفة وهي تنزل على الدرج
فقيّدوا يدييّ
هذه جريمة
صاح الشرطيان معاً
قلت إنني تحت السنّ القانونية
وركلتهم هم أيضاً
وهكذا تحوّل آكل الخروف والكباب
إلى آكل البط المحشو بالتفاح والخوخ المجفف
تتصلون بي مرة تنادونني بأخي ومرة بالدنماركي
تريدون أن تعرفوا ماذا أفعل بالإصلاحية
ولكن هل نعرف بعضنا حقاً
هل نتقاسم شيئاً آخر غير الألم؟
أصبحتم الآن كباراً وجميلين
وأصبحت أنا دنماركياً على ما يبدو
ولكن هل نعرف بعضنا حقاً
لقد مرّ وقت طويل منذ خرجنا من تلك الحفرة
لم تعد قادرة على جمعنا معاً أليس كذلك

.

حب
أبي أنجب طفلا آخر وأنا في الإصلاحية
لا أعرف ما اسمه
ونسيت إن كان بنتاً أم صبياً
في واحدة من عطلات نهاية الأسبوع زرتُ أبي
سعد الأطفال بقدومي وأرادوا اللعب معي
ولكن زوجته قالت
إنه يجب علي ألا ألمس أطفالها
الولد الأكبر استمرّ بالحبو نحوي
صَفَعته على وجهه
بكى وقال: ولكنني أحبك يا أمي
صَفَعته مرة أخرى وقالت ولكنني لا أفعل

.
اِنتقال
الإصلاحية الأولى حيث سكنت
كانت تقع في بلدة صغيرة ريفية على أطراف فايله
الشبان الذين يسكنون هناك هم أبناء لمدمنين على الكحول
أبناء مدمنات على المخدّرات
استطعن تحمّل الأنجاب
ولم يستطعن تحمل هذا الوجود
الذي خرج من أحضانهنّ
بوّلت في النار عندما كانوا يخبزون الخبز عليها
وأخذت عربة الحديقة إلى المتجر
عندما رفض المشرفون أن يأخذونا إلى هناك
أنفقت كلّ مصروفي على السجائر
وسرقت الحلوى والمشروبات الغازية والكحول
تشاجرت مع زملاء السّكن الواحد تلو الآخر
فاض بهم اتفقوا عليّ
بنات وصبيان
لم يستطيعوا فعل شيء غير البصاق والصراخ
هدّدتهم بسكين الخبز
ولوّحت بها للمشرفة
لأنها منعتني من الأكل بين الوجبات
حصلت على قطعة خبز
ومرشد شخصيّ كان في الحقيقة لطيف
ولكنه كان هناك لشهر واحد فقط
في يوم قالوا إنني يجب أن أذهب لزيارة بيتية
حزمت حقيبة ولبست أجمل ثيابي
صديقي سيسافر إلى تونس
ودَعاني إلى حفلة وداع
غططتُ في النوم في السيارة على الطريق السريع
وعندما استيقظت وجدت نفسي في غابة سيلكيبورغ
كوخ بدائيّ ومجموعة جديدة من المشرفين
شعرت بأنني مَدعاة للسخرية بثيابي الاحتفالية
أشعلت سيجارة
أروني الكوخ
وقالوا إنه باستطاعتي أن أحفر حفرة في الأرض
إن كنت بحاجة للتغوط
كسرت الكوخ كله بمقلاة كبيرة
أولا كلّ النوافذ
ومن ثم أوعية النباتات والجرار والأطباق والأكواب
ركلت الأبواب وأوقعت رفوف المكتبة
أخرجت  الأدراج وكسرت أقفال الخزائن
أبعدت المشرفين عني
بسكين الجّيب
خرجا وتحدّث كلاهما بالهاتف
اكتشفت أنّ محرك سيارتهما يعمل
ركضت خارج الكوخ
قفزت داخل السيارة وأقفلت الأبواب
كان من الصعب تشغيل السيارة
بوجود اثنين من المشرفين في مقدمة السيارة
قدت السيارة للوراء
انزلقا
فاصطدمت بسيارة قادمة للتوّ
المزيد من المشرفين
كسروا النافذة الجانبية وأوسعوني ضربًا

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>