إسفلتٌ لبحر الشَرق السريع/ فاروق سلّوم

|فاروق سلّوم| تلتبسُ المياه في الأنهارِ وثمَّة بحرٌ ثمَ […]

إسفلتٌ لبحر الشَرق السريع/ فاروق سلّوم

|فاروق سلّوم|



فاروق سلوم


تلتبسُ المياه في الأنهارِ وثمَّة بحرٌ

ثمَّة بحرٌ نختارُ جنونَ مداهُ لنمضي

ثمَّة موجةٌ تشبهُ نبرةَ صوتي، وهو تيهُ الأصواتِ

مشدودٌ وجهُ البحرِ إلى هبائي

ومشدودةٌ الرياحُ لنبرتي وللتمتمات

هاويةٌ صوتي وفضاءٌ لسؤال الكلمات الكسلى

الكلماتُ ثيابُ المعنى تهبطُ من فِتنتها

تهبطُ في عريّ كلامٍ وحشيٍّ وصراخٍ

يهتزُّ الرملُ ويفترشُ الكتبَ المرميةَ فوق اسرَّتنا

وعلى أرففِ أيامٍ كنا نبتكرُ أبجديتها

كقاموسٍ لسيرةِ الكلمات.


كانت مغامرةُ المستحيلِ مثل جسدٍ

ينزلُ إليه الماءُ وتتشظَّى الأصواتُ مثل فحيحٍ

مثل جسدٍ ليِّنٍ يختبرُ بياضَنا الأولَ

كانت الكتبُ عذراءً مثل عصورٍ برِّيةٍ لم تُكتب

وسلاسلِ أيامٍ تمتصُّ رغائبنا وخطانا

إسفلتٌ يكتبه الحبرُ على بحرِ الشرقِ الممتدِّ

إلى اللا معنى


شعاعٌ ينحرفُ عن ضفافنا التي ابتكرنا أنهارها

حجارتها إسفنجُ ميسوبتاميا

إسفنجٌ شربَ الماضي ولم يسمِّ الحاضرَ الغريب

أقدامُ آلهةٍ تهرولُ في ممراتِ بابل

برجَ ذاك البكاء وقد تداعى

بجعٌ يتناثرُ في شباك الأهوار

وهي عطشٌ وقفرٌ ممتدٌّ منذ فجرِ الطين

برغم المياه كانت تمرُّ احلامُنا كشراعٍ

يسندُ الأفقَ وقد اعتم النهار

أحلامُ ميسوبتاميا في فجرِ لذةِ المياه

فجرُ الخبزِ والعشبِ

والتراب.


لك أن ترسمَ للشرقِ بحرًا وترسم قطيعًا

أنت لا ترسم الذئب وقد جرَّدته الفضاعةُ

فهو يبتدي الخوفَ والجحيم

يفعلُ ما لا يقولُ ويمحو آثارَ الدمِِ بالعويل

كلُّ بكاءٍ ثمرةُ ميسوبتاميا السواد

الحكولُ لا تمحو جراحَه ولا الدواء

والحبُ كونٌ سرِّيٌّ لا تطلقه رغبةُ الكلام

ولا فطرةُ السكوت

المرأةُ تنورُ لذائذ.. قمحٌ لقحطِ العصور

والأرضُ فضاءٌ لتراب التاريخ المرمي هباءً لسماءٍ صامتةٍ وسلاسلِ أيامٍ وتواريخ،

لو قلتَ كلامًا كي تمحو نجسِ الأحداث وتغلقَ فمَ الرواةِ والقتلة، طفحَ السحرُ الأسودُ

من مخابئ الشرق رغبةً بالضلال والشهوةِ وهي نبعُ الأصولِ والآجالُ نبعُ الروايةِ والشيء.. ونبعُ الظلام، لو جرَّبتَ لحظةَ اضطرابِ المعاني أو اضطرابِ الروايةِ بين الألسنِ والرواةِ لاكتشفتَ التواريخَ تحترفُ الريبةَ للنهايات التي اجترحتها مخيلةٌ وشربتها العقولُ طينةً لخصبٍ هجين.

أقولُ لفكرتي انتبهي وهي تغتسلُ بالكلامِ

أقول لجيلي الذي فيه ثراءُ الحواس

وعزلةُ الخطايا

أقولُ لكلِّ التباسٍ تقمَّص حياتي

وأقولُ لكلِّ فصلٍ تنفستهُ غابةُ الطريق

وأقول لكلِّ عتمة

ما تزالُ انكسارتنا خمرةً لفكرةِ الجنون

فكرةِ الضوءِ والحبرِ والمخالفة

وجوهرِ المرايا

وهي في محارةِ النهارِ البعيد.

(كولبيك/ السويد)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>