الزمن الجميل/ بن ثابت صليبا

|بن ثابت صليبا| عادة ما يذكرها مَن تقدم به السن؛ تداعيا […]

الزمن الجميل/ بن ثابت صليبا

|بن ثابت صليبا|

بن ثابت صليبا

عادة ما يذكرها مَن تقدم به السن؛ تداعيات لمناسبات متعددة وعلامات النشوة تعلو لذكرى مشابهة. منذ الطفولة تحوم كل هذه التفصيلات في فراغي وفضائي، ورغم تكرارها ظللت لا أفقه شيئا ممّا يُقال، عاجزًا عن فكّ الرموز، مُعوّلا على الزمن الذي قد ينيرني ويُسقط الغشاوة عن ناظري ووعيي، علني أتذوّق طعمًا من ذاك الجمال الذي يبدو أنه لن يعود.

وهمًا هو كالحقيقة؛ ذكرى الشباب الذي لا ينسى بطولاته. أم أن الوهن يحيا باستحضار صلابة وقوة الماضي البعيد؟ ما زلت اتمتع ببعض من قوة الشباب التي تمضي كما يفارق اللون ما تبقّى في الرأس من شعرٍ، فتصبح بداية لحنين وذكرى حين كنتُ بهزة رأس أبعد ما يحجب وصول انعكاس الضوء إلى قزحيتي التي تضاعفت هي الأخرى كفاتحة للمزيد؟

قد يشكو قارئاً المبالغة في التبسيط، وما هي إلا سمة التعاطي في حياة مبرمجة يكيفك لمساً لتصول وتجول باختلاف الفصول، وهو ما كان سابقا أمرًا غير معقول! سأبطئ وأتروى لعدم الوقوع في المتاهة وبالتالي إخفاق الهدف. سأحاول مجدداً صياغة الفكرة بما أتمتع من مخزون لغويّ عله يكفي عرض الصورة من هنا. “زمان كان أحسن”: راحة بال، الناس قلوبها على بعض ولبعض، الدنيا كانت غير! هذا بعض ما يتناقلونه من كلام في حضرة الذاكرة، من دون تفصيل أو تفسير، قانعين مقتنعين بأنّ “زمان كان غير”.

سأبني في مخيلتي تصوّراً لذلك الزمان آملا بأن أحسن الاختيار، لعلي أحظى بقليل من تلك النشوة والسعادة الغائبة. ملعون أبو المعرفة! يصدح صوت أم كلثوم على مدار ساعة، يختصر عبق سنوات من مشاعر كاتب إبداع ملحن، اهتزاز أوتار عشق، ولع وحنين يفوح معهما عطر ما بين القصرين: قصر الشوق وسكّر السكرية- روائع محفوظ؛ دلع العندليب؛ يقابلون صوتًا يصدح من جبل لبنان ممزوج بكلاسيكيات الرحابنة و”جنون” زياد. يُدخلنا الغزالي حارات بغداد، ومن قاسيون الشام يطل علينا نزار. أكتفي بهذا الحدّ طربًا! حان زمن “الثورات”- ثورة ناصر، تحرير الأمة- خطابات ناصر توحّد العرب تجسّد تطلعاتهم. بناء القومية والوحدة العربية، إنشاء دولة تصون ذلك البناء. هل أستمر؟ ملعون أبو المال!

أهزّ رأسي مجدّدًا لأصحو هذه المرة عائدًا إلى زماني-مكاني؛ إلى الابتذال في زمن احتكار الزمن والثقافة والفن، واعتقال الفضاء وتلويث الهواء. أحزم حنيني وورثتي من ذكرى أسلافي مبتعدًا عن مفسدي الزمن ومتلفي العقول، هاربًا إلى ملاذي لنيل بعضٍ من الجّمال- و”السلام” ختام.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>