الشيء/ أسامة ملحم

|أسامة ملحم| رأى رأي َ النائم، كمن يستذكر ما حدث فعلا ً […]

الشيء/ أسامة ملحم

|أسامة ملحم|

أسامة ملحم

رأى رأي َ النائم، كمن يستذكر ما حدث فعلا ً، تذكر ما رأى، تداعى الأولاد إلى حيث لا يُرى مما يلي التثنية في الجدار العالي، حيث الظلُّ غالبا ً، فهناك في الظلِّ كان ما يشبه شيئًا لا شبيه له، تراءى لصِبْيَةٍ، في العراء حين كانوا يبحثون عن مخبأ يلوذون به في لعبةٍ يكونون فيها هم الفتيان الكامنين لدوريةٍ وهميّةٍ لن تمُرَّ منذ انتصب الجدار. هم كانوا قد سمعوا من فتيةٍ يكبرونهم سنًا عن المواجهات، فَودّوا لو كانوا هم هم.

ممددًا هناك، مبهمًا، تنامى العشب بين ثناياه، بدا منتفخا ً قليلًا، تنصلت بفعل التقادم أسماله، عديم الأطراف، لا مبتورها، خال ٍ من الملامح، لا سمات له، لا وجه حقيقي ممّا عهدوا، لا آذان، لا عينان، لا أنف ولا فم، كالخرقة الخرقاء، لكن، كانت  في الجوار، رغم أنّ النفل لم يزهر بعد واللوز بعيد جدًا. رائحة طيب مختلط تذكر بالربيع، لم يكن هنالك ذباب يحوم ولا علامات تفسّخ ولم يستطع أحد من الأولاد أن يميز لونًا معينًا لذلك الشيء الغريب، بل ربما رآه كل ٌ ذا لون مختلف، لم يتكوّر بشكل محدّد، ربما رآه كلٌ بشكل آخر.

بُهتوا جميعًا وتحلّقوا على مسافة لا قريبة ولا بعيدة ليتحققوا مما يكونه،

“جثة “، أجمعوا، “عزلاء”، “شهيد”، “لا أثر لرصاصة أو طعنة”، “لا كدمة”، ليس من حزٍّ ولا بتر”، “لا أثر لتعرض لتعذيب”، “لا أداة جريمة ٍ في القرب”، “ولا أثر لعنف ظاهر”، “لم تسحب الجثة إلى هنا فلا أثر للجرّ”، “لم تلقَ من أعلى الجدار”، لم تنمُ كالحشائش الحديثة”، لم تكن بالأمس حين لهونا ها هنا”، “وكأنها صار لها زمن هنا”، “لم تتقطّر كالمنّ حتمًا”، “ولم تفقس كالفطر أيضًا”، “كيف؟”، “ماذا؟”، “أيّ شيء تكون؟”، “متى؟”.

لم يجرؤ الأولاد على دسرها، وفي كل يدٍ عصًا، لا من خشيةٍ أن تكون جسمًا مشبوهًا يتفَجّر، إنما هم أحسّوا معًا بالودّ تجاه هذا الشيء، الغافي، ربما كالهرّة المستدفئة، وعادوا لوابل الأسئلة: “كيف يغفو من لا عين له؟”، “أنجسّ نبضه؟”، “من يجرؤ؟”، “ننادي الكبار؟”، “لا”، “يأخذونه منّا”، “كيف نوقظه؟”، “لن نجفله”، “سنغني له”، “ربما لا يحبّ الغناء”، “لن نتركه”، “لن نزعجه سنحرس نومته”، “لن نتدخل في شكل إغفاءته”، “لن نلحَّ عليه ليستيقظ كالأمّهات”، “ربما غفا تعبًا”، “ربما جوعًا”، “الجوعان لا يغفو”، “ربما هو بردان”، “والبردان لا يغفو”، “ربما مات”، “لا”، “لا”، “لا”، “ليست له ملامح الموتى”، “ليست له ملامح أبدًا”، “كأنه حلم”، “كأننا في حلم”، “ليس ما يحدث من أمر الواقع”، “لكنه حقيقيّ”، “ليس بالضرورة أن يكون الواقع حقيقيًا”، “وليس بالضرورة أن تكون الحقيقة واقعًا”، “أي شيء هو هذا؟”، “كيف غفل عنه الجند في برج المراقبة؟”، “ربما هو غافلهم”، “من قال إنه تخطى الجدار أصلًا؟”، “من أين جاء إذًا؟ “، “ربما لم يجئ من مكان، كان هنا”، “نما كالعشب”، “تكوّن كالندى”، “تسامى كالضّباب”، “اندلع كالحلم”، “كالحلم”، “هو حلم”، “لأنه أخضر؟ “، “بل أحمر”، “أنا أراه ورديًا”، “بل أزرق”، “أصفر كالذهب”، “أنتَ لم ترَ ذهبًا”، “رأيته في الحلم، كان يشبه هذا”، “لماذا إذًا لا أطراف له؟”، “الحلم ليس بحاجة حتى لأجنحة”، “هو يحلّق فقط لكونه حلمًا”، “ولا ملامح؟”، “ما تجديه العينان والأذنان والفم؟”، “الحلم يرى ويسمع ويبوح بدونها”، “هو حلم، حقيقة”، “أكُلُّنا نحلم؟”، “بل هو حلم حقيقيّ”، “لماذا إذًا هو في الظلّ؟”، “بل جثة حلم”، “الأحلام لا تموت”، “تقتل؟”، “لكنها تنبثق ثانية كهذا”، “أجل بالأمس لم يكن ها هنا”، “لنحمله إذًا إلى بيوتنا”، “الأحلام لا تُحمل”، “هي التي تحمل الأولاد إلى حيث لا جدران”.

ثم أجمعوا أنّ الأحلام تحمل الأولاد إلى حيث لا جدرانَ، إلى أرض يحبونها، ولا تخترقها حدود. وأتمّوا اللعبة التي كانوا هم أبطالها.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>