ثلاث قصائد لياسمين ظاهر: صيف وربّ وحبّ

سنكتفي بما صدرَ عن الحبِّ إلى الآن
فلا صبرَ للعُشاقِ،
على تأوّهاتِ الذّاكرةِ
يريدونَ أن تنتهي بأسرعَ ما يُمكنُ
حتى تبدأ تلاوةُ حقائقَ ثابتةٍ

ثلاث قصائد لياسمين ظاهر: صيف وربّ وحبّ

لوحة بريشة الشاعر المصري أحمد الشهاوي

لوحة بريشة الشاعر المصري أحمد الشهاوي

قديتا.نت

|ياسمين ظاهر|

yasmeen-qadita

قديتا.نت

سنكتفي بما صدر عن الحبّ إلى الآن

سنكتفي بما صدرَ عن الحبِّ إلى الآن

فلا صبرَ للعُشاقِ،

على تأوّهاتِ الذّاكرةِ

يريدونَ أن تنتهي بأسرعَ ما يُمكنُ

حتى تبدأ تلاوةُ حقائقَ ثابتةٍ

تحبُو إلى أحضانِهم

لا نجيدُ النظر إلى الوراءِ.

لا نجيدُ…

إستماتة الماضي بالآنَ،

إستعارة الزمن من المؤقتِ

واستحالة الآتِي.

لا نجيدُ إحصاءَ جثثِ العُشاقِ

الذينَ قتلناهم قبلَ أن يقتولنا

لا نجيدُ استباحةَ الفرح

بإذنٍ من التراجيديةِ

لنرقصَ في زيجةٍ

لسنا فيها، أحدَ الطرفيْن

سنكتفي بما صدرَ عن الحبِّ إلى الآن

ولن نصدِّقه من الآن فصاعدًا

نعدُكُم، لن نصدّقه

من الآن وسابقًا!

للصيف، هذيانه الخاص

للصيف فعلُ الهذيان:

لا يذِّكر بالنُعاس،

ولا بالأشجار المُصفرّة،

هو أيضا لا ينبّه الحواسَّ

على آفاق زرقاء.

كلّ ما في قوى الصيف أن تفعله

غير آبهة بالنتيجة:

تخديرُ فعل الآن

والمضيّ إلى الأمام

على حساب الماضي.

..

كلّ ما يفعله الصّيف

أن ينشر الأشياء المتشابهة

على نحو مُختلفٍ:

الروائحُ تبدِّل حِدّتِها

ولكنها تعودُ،

الأجساد تبدِّل مودَّتها

وتنتظرُ،

والكلامُ، ذاته الكلام

صداه يختفي، معناه خالٍ

من الوَجلِ

ويُجيدُ عصيانَ الأسلافِ

واستقامتهم!

للصيف هذيانه الخاصّ،

صورة طبق الأصل/

عن أصلٍ لسنا بحاجة

لتصديقه.

إغفاءة فصل عن باقي

السّنة،

نموٌّ تجريديٌّ

للتجربة التي لم نمرّ بها بعدُ،

ودوامة الشمس

الملائكية التي تلبس

صوتا لتُكثِر منَ الدفءِ،

ونسمعُها دائمًا تبتعدُ.

والأجسادُ، تبقى على عهدها

تُجيدُ الإذعانَ للنشوة

إذا اضطرها الموقف

للاستئذان السّريع ِ!

هذا الهذيانُ:

غرق البحر في الرمل

وابتلاع الخوفِ بدوائرَ تتسعُ

واقتباسُ الموسيقى

لحركةِ رأسٍ متردّدةٍ

ولكنها دقيقةٌ.

عزفٌ جماعيٌ لحرٍّ أبديٍّ.

الصيفُ،

فعلُ السّرابِ الحقيقيِّ

الوهجُ يتحقق

والأمنية، لا تصيبُ

ولا تبتعد عن السّهم، كثيرًا

والأشياء متوازية متوازية

لا تسمحُ بالفرار

من تملقٍ مألوفٍ للغايةِ.

الصيف استساغة الهذيان،

ورضوخٌ لغوايتِهِ.

قتلى دونَ حربٍ،

وعراكُ الوجوهِ تتصبّبُ لهاثا

تريد أن تصلَ إلى المكان

الأول الذي خرجتْ منه.

وخيوط ستتشابكُ في المحطة الأولى

ليصبحَ السّؤالُ أجملَ:

ماذا نفعلُ؟

الصيف يتبرّمُ من الصلاةِ

ويتلوها كلَّ عشر ثواني

حتى لا يستكين إلى -مثواه الجنة

ولا تكون آخرته- مطابقة للآن،

لا يريد أن يعرف التكلفة

يريد فقط أن ينهي المهمة

ويستريح.

إذا سألك الربُّ

إذا سألك الربُّ

يومَ الدّين،

ماذا فعلتَ؟

قلْ له،

وأنتَ تنظر ملءَ جفنيْكَ

في

غشاء الكون:

أطعمتُ حُبّيْن

وتركتُ الجائعَ،

جائعًا.

شربتُ كأسيْن من النبيذِ

والفقيرُ،

ينظر إليّ

من طرفِ المائدةِ

علّقتُ اسميْن على

كلِّ حرفٍ

والضائعُ،

يعرفُ نفسه

بانعكاس

النافذةِ

أكلتُ، فظمئتُ

شربتُ فجُعتُ

وحسبي أنني

حينَ نمتُ،

غَفَتْ في ظِلي البشرية ُ

• • •

إذا ما اختفى الربُّ،

يومَ الدِّين

ولم يَضعْكَ

في الامتحانِ

فاسألهُ أنتَ:

هل تنكر وجهي

وما صنعَتهُ نعمة ُ

يديْكَ

بوجعِ الآخرين

وفرحِي

هل تذكر أنكَ خلقتَني

لأذّكِر

وخلقتَ الآخرين لينعمَ

النسيانُ بسطوتِهِ

وينعمون، هُم، بوحشتِهِ.

لو أنني لم أكُنْ

نصف كأسِكَ المَلئة

لكنتُ أفرغتُ

الأحشاءَ

من الجّوعِ

وأطعمتُها كلامي

فهل تنكرُ

أنكَ خلقتني لأعرفَ،

وخلقتَ الباقين

لامتحان المعاني

وهل تعرف

أنني، أنا

من سيُحدّثكَ

بلسانِ الخلقِ

وأنا،

مَن سيُشبهكَ

لتفنى الأماني

أنا يا ربّي،

هي حقيقتكَ

ووهم،

ألا أتنصّل ممّا أرى

فماذا أفعلُ إذا رأيتُ

كلّ شيءٍ

ولم تنهش روحِي

ديدانُ الخيبةِ

ولم تنبشْ عقلي

رواياتُ غفرانِكَ

أنا يا ربي

أسطورة

المرآة التي لا تشعرُ

إلا بزجاجها

ولكنها لا تراهُ

فلماذا أعطيتَني النبيذَ

وتركتَ الجّائعَ جائعاً

وجئتَ تسألني

يومَ الدِّين

كم مِن الدفءِ

شردت هباء

أنا يا ربي،

في نهاية هذا الطوفان

سأحبّ وأثمل…

وأدفن رأسي

في وسادتي البيضاء

وأغفو

لم أفعل شيئاً،

إلا وفعله السّابقون

وسيفعله اللاحقون

سأعيشُ،

كما يعيشُ الآخرون

بفتاتِ

حُبٍّ أو حُبّيْن

فمَن هذا الذي يتألمُ

خارجَ زجاجِ عيني

ومن ذاكَ الذي يلمسُ

حذائي ويريده أن

يبدو لامعًا

أكثرَ من صباحي

ومن هؤلاء الذين

يطفون على

قبة رأسِي

لماذا يقفون

جميعهم، أمام مرآتي

ولماذا تسألني

عنهم وأنا

انعكاس وحيد

لذاتي؟

ما لي، لي

وما للأخرين،

كان لهم

قبل أن يدخل

مساحة جفني

فيصبح الكون،

كلّ الكون

لي

• • •

إذا سألكَ،

ذات الرب

عن انتمائك

قُلْ له،

وأنتَ ترمق

الوصيّةَ

بألفة:

أنتمي إلى الجّسدِ

وليس إلى الدّم الذي فيهِ

ولذلكَ،

لا أتعرّفُ على والدِي بسهولةٍ

ولكنّي

أعرفُ بعضَ الجِّياعِ، واليتامَى

وملتحِفي الشّوارعِ

أعرفهم بالبردِ،

وقلةِ الحيلةِ

أعرفهم لأني لا أشبههم

وقد أكون شُبّهتُ لهم

أنا يا ربي

وُلدتُ،

وفي فمِي دمٌ آخر

وغرستُ بذرتي

في جلدٍ

لا يتذكّرني

ولا يُنكرني

فكيف تسألني

عن أجسادٍ تسيرُ،

أرى أرواحها

ولا أرى ظلَّها

فهل أغفرُ لكَ باسمِهم

أو أدّعي

أنني لا أذكرُهُم


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

3 تعقيبات

  1. ياسمين تملك روح الشعر في تعابيرها وصياغاتها، ونظرة ثاقبة للأمور.أحببت القصيدة الأخيرة جداً أكثر من سابقاتهان بالرغم أن فيهن بعض التعابير التي استهوتني: “هذا الهذيانُ:
    غرق البحر في الرمل”، “الصيف استساغة الهذيان،
    ورضوخٌ لغوايتِهِ”. لكن عليك الانتباه لخطأ صغير “عشر ثوانٍ” وليس “ثواني”. أما في القصيدة الأخيرة فهذه المحادثة مع الرب بما فيها من كبرياء ومواجهة تكشف جوانب عدة في تسلّط الإله العشوائي وتطرح نظرة جديدة لحقيقة الأشياء، تنفي الرب الذي يُصوَّر بأنه مستبدٌ قامع وتتيح المجال لربٍ أكثر عمقا. نظرة فيها يكون الإنسان مركز الكون:”أكلتُ، فظمئتُ
    شربتُ فجُعتُ وحسبي أنني حينَ نمتُ،غَفَتْ في ظِلي البشرية ُ”.
    جميلة جداً . أهنئك.  

  2. أحب شعرك ياسمين!

  3. قصائد بنفس جديد. الشاعرة لا تتهاون في المعاني ولكنها تكثفها في صياغات تبدو سهلة وبسيطة للوهلة الاولى.
    كما ان قصيدتها عن الرب هي مناجاة بوست موديرن :-)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>