“دِيمُو – كَرَاسِي” مْعَمَّر الچَذّافي..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة| يُحسَب للمجنون اللّيبيّ -بلا منازِع- م […]

“دِيمُو – كَرَاسِي” مْعَمَّر الچَذّافي..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة|

يُحسَب للمجنون اللّيبيّ -بلا منازِع- مْعَمَّر الچَذّافي (مُعَمَّر القَذّافيّ)، حرصُه على ردّ أيّة كلمة في أيّة لغة وبأيّة طريقة كانت، إلى العربيّة. لكنّه، هذه المرّة، ذهب به الشَّطَط إلى تحليل “لغويّ” غريب عجيب لكلمة دِيمُقْراطِيّة أو “دِيمُوكْراسِي” بالإنچليزيّة، وهي كلمة يونانيّة الأصل يصل عمرها إلى ألفيْن وخمسِمِائة عام، مكوّنة من كلمتيْن: دِيمُوس، Δήμος أو Demos، بمعنى عامّة النّاس، أو الشّعب؛ وقْراطْيا، Κρατία أو kratia، بمعنى حُكم. لتكوّن الكلمتان كلمة واحدة هي دِيمُوقْراطْيا Demoacratia، أو دِيمُقْراطِيّة بالعربيّة المعرَّبة، وتعني حُكم الشّعب نفسَه بنفسِه. ويُسمّى هذا التّكوّن أو التّكوين في علم اللّسانيّات الحديث بالنَّحْت، أو الاشتقاق الكُبّار بالاصطلاح الكلاسيكيّ القديم.

أمّا العَچِيد الچَذّافي فقد ذهب إلى تحليل خاصّ به لكلمة “دِيمُوكْراسِي” الإنچليزيّة، اليونانيّة الأصل “دِيمُوقْراطْيا”؛ رادًّا المقطع الأوّل من الكلمة “دِيمُو” إلى الأصل العربيّ “دام دَوْمًا ودَوامًا ودَيْمومة”؛ والمقطع الثّاني “كْراسِي” إلى الكلمة العربيّة كَراسي (جمع كرسيّ)؛ لتُفيد الكلمة بمجملها، لفظًا ومعنًى، ديمومة الكراسي؛ ليعني هذا كلّه في المصطلح اللّيبيّ الخاصّ -هذه المرّة- ديمومة جلوس لجان النّظام -أو اللانظام- اللّيبيّ الثّوريّة والشّعبيّة على الكراسي لحكم البلاد، أبدًا، وبكلمات العَچِيد: ديمومة جلوس “الدُّهْماء”؛ ويقصد “الدَّهماء” أي جماعة النّاس، معتبرًا نظام -أو لانظام- الحكم في ليبيا المثال المثاليّ للدِّيمُقْراطِيّة. وأظنّه أراد أن يقول ديمومة جلوس “الزُّعماء”..! وليس “الدَّهماء” أو “الدُّهماء” بلُكْنَته اللِّيبيّة أو الچَذّافِيّة؛ لأنّ هذه هي الحقيقة، فعلاً؛ لأنّ صاحب القرار في ليبيا هو من يحكم ليبيا بحديده وناره وشذوذه وجنونه منذ نحْو اثنيْن وأربعين عامًا، وليس اللّجان الثّوريّة أو الشّعبيّة المزعومة؛ لأنّ العَچِيد نفسه -وليس لجانه الثّوريّة أو الشّعبيّة المزعومة- هو من أمر بإخماد نار الهبّة الجماهيريّة الّتي تعصف بجماهيريّته أو بنظام -أو لانظام- حكمه الأكثر إزمانًا في العالم العربيّ، بنار أخرى من الجوّ والبرّ والبحر.

وأمّا ما ذهب إليه العَچِيد من تحليل لكلمة دِيمُقْراطِيّة في المستوى اللّغويّ، فهو لا يعدو كونه هَرْطَقة (بِدْعة) تنضمّ إلى هَرْطَقاته الكثيرة، وليس لها أساس من الصّحّة، لا في المستوى الزّمانيّ والمكانيّ للكلمة، ولا في مستواها اللّفظيّ والمعنويّ، ولا في بُعدها الدّلاليّ، ولن تعدو، في يوم من الأيّام، كونها “دِيمُو – كَرَاسِي” مْعَمَّر الچَذّافي..!


وشيءٌ آخرُ عن الغَرب..!

بينما الشّعب اللّيبيّ ينزف دمًا وألمًا تحت وطأة وحشيّة لانِظامه، يلعب ضمير العالم الغربيّ دور المشاهد الصّامت، غالبًا، أو المستنكر الخجول، أحيانًا، لما يقترفه حليفه الجديد، الّذي بدا مرعوبًا وفاقد السّيطرة، بحقّ شعبه الأعزل؛ لاعتبارات متعلّقة، طبعًا، بمصالحه الخاصّة بالكاز والغاز، وغيرهما من محرّكات جشعه وسطوته وسيطرته. فليبقَ النّظام أو اللاّنظام، أيًّا كان، وليسقط الشّعب، أيّ شعب، ما دامت مصالحي في أمان – هكذا يُحدّث الغرب نفسه، أزلاً وأبدًا وسَرْمَدًا.


وشيءٌ في مَحْض اللّغة: سُئِلْتُ.. فأجبْتُ..

سألني صديقي النّجيب عن الصّحيح كتابةً: يَقْرَؤون أم يَقْرَأون؟ فأجبت: هناك من يكتبها -خطأً في نظري ونظر غيري- بصورتها الأولى، عمومًا، لاعتبارات متعلّقة بقوانين كتابة الهمزة، غالبًا، حيث الكسر أقوى الحَرَكات ثمّ الضّمّ ثمّ الفتح. أمّا العبد الفقير وغيره -وكون الحديث عن فعل لا اسم- فلا يرى تأثيرًا لحركة الضّمير في رسم الفعل؛ فيكتبُ، مثلاً: قَرَأوا، واقْرَأوا، ويَقْرَأون، وتَقْرَأِين، واقْرَأِي؛ كما نكتب، مثلاً: “اِبْدَأِي” ولا نكتب: “اِبْدَئِي”؛ حيث لا تأثير لكسرة مجانَسة ياء المخاطَبة باللّفظ في أصل الفعل، كونها ليست من أصل أحرف الفعل، أصلاً. أمّا في الأسماء، فمراعاة اللّفظ وقوّة الحركة في كتابة الهمزة واجبة؛ فنكتبُ، مثلاً: خلفاؤُه وخلفائِه، ولا نكتب: خلفاءُه وخلفاءِه؛ وذلك -في نظري- متأثّر، أصلاً، برسم مبكّر قديم، حيث لم يكن هناك هَمْز ولا تنقيط ولا تحريك؛ مثلما أرادوا التّمييز بين “مِئة” و”مِنه”، فكتبوا الأولى بالألف: “مِائة”؛ بدون هَمْز ولا تحريك، طبعًا؛ لذا تجد هناك من لا يُعير اهتمامًا لقوّة الكسرة في الكلمة المنتهية بهمزة لدى اتّصالها بياء النّسبة -والعبد الفقير منهم- فيكتب، مثلاً: “تباطُؤِيّ” ولا يكتب: “تباطُئِيّ”؛ ذلك لأنّ هذه الياء، أيضًا، ليست من أصل الكلمة، أصلاً، ولا لَبْسَ ولا إشكال كان هناك في قراءتها بلا هَمْز ولا تحريك، كما هي الحال في أمر الأفعال، في ما سلف من حديث، أعلاه. والله أعلم!


وفي الحلْقة القادمة..

سنتابع حديثنا المؤجَّل في الحلْقة القادمة -إن شاء الله- عن پروتوكولات آيات قُمّ.. عن مشاريع تفتيت العالم العربيّ والإسلاميّ.. عن مشهدنا الإعلاميّ.. وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن.  

(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>