طوبى الكاتب/ إسكندر حبش

|إسكندر حبش| من بين ما لفتني، نهار أمس، في قراءاتي للعد […]

طوبى الكاتب/ إسكندر حبش

|إسكندر حبش|

من بين ما لفتني، نهار أمس، في قراءاتي للعديد من الصحف العربية والأجنبية، تعقيبا على فوز الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، فكرة أعتقد أنها تستحق أن نلتفت إليها. غالبية المعلقين الذين كتبوا عن فوز الروائي الأميركي اللاتيني (الإسباني الجنسية)، تناولوا فكرة تحول الروائي من اليسار إلى اليمين، متحدثين عن «توبة» ما، لحقت به، دفعته إلى الانتقال الفكري والسياسي من موقع إلى آخر.

بالتأكيد في الأمر الكثير مما يقال حين ينتقل شخص من موقع فكري إلى آخر. لكن لنعد قليلا إلى حالة يوسا. ربما أمكننا أن نلخص فكرته بالتالي: اكتشف الكاتب عبر الممارسات كما عبر الثقافة والكتابة، سقوط جميع الطوباويات، (التي عرفها تحت تأثير سارتر في مطلع شبابه)، التي نادى بها واعتقد أنها يمكن أن تجلب العدالة للبشرية. من هذه الطوباويات، الاشتراكية التي تحولت إلى أداة قمع أكثر من أي أداة أخرى، كما أنها قمعت شعوبا بأسرها وهو الذي شهد ما فعلته الشيوعية في أوروبا الشرقية، كما شطت ببعض ثورات أميركا اللاتينية لتتحول بدورها إلى عكس ما كانت تطمح إليه أو على العكس مما كانت تنادي به.

هذا التحول إذاً كان مصدره فكرة كبيرة وهي الفكرة التي تنادي بالحرية وبالعدالة وحقوق الإنسان. من هنا لم يشذ الكاتب في تحولّه هذا، عن هذه المبادئ الإنسانوية، بل بقي مخلصا لها لغاية اليوم. لذلك، لم يكن يمينه هذا اليمين المتطرف الذي يزيد المآسي على الشعوب، بل بقي ليبراليا ينادي بأفكار، لا أعتقد أن أحدا يختلف عليها.

من هنا، هل بهذا المعنى، يكون يوسا قد أخطأ إذا ما أعلن عن انهيار منظومة فكرية، لم تفعل شيئا، عبر ممارساتها الطويلة، إلا أن تزيد القمع الذي مورس على الشعوب من قبل؟ أين الخطأ في أن يبقى المرء مخلصا لفكرة هذه الإنسانوية التي يرغب في ان تكون هي المعيار الأول لكلّ ما نتصرف ونقوم به؟ أضف إلى ذلك، لمَ نعتبر دوما أن شرخا كبيرا قد حدث في العالم، حين يراجع المرء حساباته وأفكاره وممارساته ويجد أنه أخطأ في خياراته الأولى؟ أليس المهم أن يبقى المرء مخلصا تجاه نفسه وتجاه الآخرين، حين لا يريد أن يزيد من القمع الذي يلف العالم؟ ناهيك بأن ماريو بارغاس يوسا، في تحوله هذا، لم يمدح أفعال اليمين المقيتة التي عرفناها على مرّ التاريخ، بل بقي على مسافة منها، ناقدا إياها، وهو الذي كان واضحا في خياراته منذ البداية.

في أي حال، باختيار اللجنة الملكية السويدية يوم الخميس الماضي، الكاتب البيروفي، لجائزة نوبل للآداب، تكون قد اختارت أحد كبار التنويريين في العالم المعاصر، وربما هذا ما ينقصنا فعلا.

(عن “السفير”)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>