في وداع الصديق ورفيق الدرب والأديب المبدع عفيف صلاح سالم

|نبيل عودة| فوجئت بموت غير متوقع للكاتب والصحفي عفيف صل […]

في وداع الصديق ورفيق الدرب والأديب المبدع عفيف صلاح سالم

|نبيل عودة|

عفيف سالم. رحل في عيد ميلاده الـ 65

فوجئت بموت غير متوقع للكاتب والصحفي عفيف صلاح سالم، بعد صراع قصير مع المرض العضال عن ٦٤ عامًا، قضاها في النشاط الإعلامي والثقافي والنضال السياسي.
نزل علي الخبر مثل الصاعقة، وكنا في الفترة الأخيرة نتبادل الكثير من الأحاديث والحوارات الثقافية والفكرية التي تخصّ مجتمعنا، عبر الهاتف، ونخطط للقاء لم ينجز لنواصل حوارنا وجهًا لوجه.
تعرفت على عفيف في الصف الخامس ابتدائي، وانشددنا إلى بعض بصداقة عمر، وفيما بعد بصداقة فكر وطريق؛ الكتابة الأدبية التي بدأت تتضح معالمها ونحن في ذلك الجيل المبكر، عبر مواضيع الإنشاء باللغة العربية، التي حولناها، بموافقة أساتذتنا للغة العربية -أذكر منهما مربيين: المربي المرحوم الشاعر ميشيل حداد وفيما بعد مع المربي المرحوم زهير فاهوم- إلى موضوع حرّ نكتب ما نظنه أدبا أو شعرا أو إبداعا لغويا. وكان للأستاذ زهير الفاهوم أبلغ الأثر في ترسيخ طريقنا الأدبي وانطلاقتنا الإبداعية فيما بعد.
ولد عفيف سالم في ٢٤ كانون الثاني 1947 (أي سبقني بشهر واحد) في مدينة النّاصرة، وتخرّج من ثانويتها البلديّة. ثم أوفده الحزب الشيوعي إلى الدراسة الأكاديمية في الإتحاد السوفياتي السابق، وهناك درس الصحافة وكأديب في بداية طريقه، شده الأدب الروسي والسوفياتي، وحاز على شهادة الماجستير في الأدب الروسي من جامعة ليننغراد.
وبعد أن عاد إلى البلاد عمل في جريدة «الاتحاد» بين الأعوام 1976 و1980.
أصدر في الناصرة صحيفة «الجماهير» لفترة عامين تقريبًا وأُوقفت بأَمر من رئيس الحكومة آنذاك يتسحاق شامير، معتمدًا قانون الطوارئ الانتدابي، بسبب مواقف الصحيفة الوطنية والعقلانية التي أزعجت جهاز الدولة. وأصدر بعدها مجلة ثقافية فكرية هي مجلة «الآداب» صدرت منها ٨ أعداد وأُوقفت مثل “الجماهير” بأوامر عسكرية. شاركت في الكتابة لمجلة “الآداب” التي تحولت إلى منبر ثقافي وفكري وسياسي، فاتحة المجال أمام الفكر المتنوّر من دون حواجز حزبية، كما كان الحال في منابر أخرى.

حياة عفيف لم تكن سهلة؛ فقد عانى البطالة القاتلة واستبعد من الصحافة الحزبية، رغم أنه فكريًا لم يغير قناعاته الفكرية والسياسية حتى آخر حوار بيننا قبل وفاته المفاجئة بشهر تقريبا. وأقول إنه من المؤسف أنّ قلما واعيا مثقفا ومهنيا من المستوى الأول، أُبعد إلى الهامش، ولم يُعطَ الدور الذي يستحقه بجدارة، ليساهم في بناء النهج السياسي والاجتماعي الذي تجذّر في تفكيره وقناعاته.

في فترة من حياته انتقل إلى مدينة القدس وعمل في صحيفة «النّهار» المقدسية، ثم عاد للعمل في صحيفة «الاتحاد»، التي كان يعتبرها وبحق المنبر الأهمّ للجماهير العربية، ولكن أُنهى عمله فيها بعد عدة سنوات. وبعدها امتهن الكتابة في صحف ومجلات مختلفة، وكلها مجانية على الأغلب. وعاش معتمدًا على ضمان الدخل ومساعدة الأهل لما تبقى من سنوات عمره.

منذ الصف الثامن ابتدائي بدأ عفيف سالم يبلور شخصيته الإبداعية؛ كان يكتب الشعر والقصة، وكنا نقرأ كتابات بعضنا البعض، ونتحاور، وفي فترة واحدة تقريبا وجدنا نفسينا في نفس الحركة السياسية، تنظيم الشبيبة الشيوعية وفيما بعد الحزب الشيوعي، الأمر الذي أضفى على نشاطنا الثقافي أبعادا أكثر وعيا، وأكثر مسؤولية من مجرد نص لغوي جميل. وكمواهب ناشئة ساهمتُ عفيف وأنا في ما كان يُعرف بجريدة الحائط في إطار نادي الشبيبة الشيوعية، والتي يمكن اعتبارها مدرستنا الصحفية الأولى.

في ذلك الوقت نشرت أول قصة في مجلة “الجديد”، ربما في حدود 1963 وأذكر أنّ عفيف نشر عملا لا أذكر ما هو بنفس الفترة، أو بعدها بقليل، في مجلة “الغد”، مجلة الشبيبة الشيوعية. النشر لفت الأنظار إلينا.. وعمق الترابط بيننا كمثقفين في الطريق. ومنذ ذلك اليوم استمرت صداقتنا في التعمق.

في العام 1968 سافرت للدراسة في المدرسة الحزبية (معهد العلوم الاجتماعية) في موسكو-الاتحاد السوفياتي، وظلّ عفيف في الناصرة ناشطا بارزا في صفوف الشبيبة الشيوعية، ليتبوّأ قيادة الشبيبة الشيوعية في الناصرة، وبعد عودتي تسلمت قيادة فرع الشبيبة الشيوعية من عفيف، ليسافر بعد أسابيع قليلة إلى الدراسة الأكاديمية في الاتحاد السوفياتي.

المراسلات بيننا لم تنقطع، وما يحزنني اليوم أننا لم نحتفظ برسائل فترة الشباب الباكر، التي عبرنا فيها عن أحلامنا الأدبية والسياسية، وهي مرحلة حاسمة في تكوّن وتشكيل طريقنا الأدبية التي حدّدت لنا لسنوات طويلة رؤيتنا الفكرية-الثقافية، وظلّ تأثيرها في تفكيرنا ورؤيتنا، رغم التغييرات العميقة التي حدثت بالنسبة لي على الأقل فيما بعد.

دخل عفيف عالم الصحافة بلغة لها نكهة مميزة، كثيرًا ما دمجت بين الأدب والمقال الصحفي أو التحليل السياسي، مما أضفى على كتاباته السياسية روحًا ثقافية جذابة للقارئ. وبنفس الوقت أضفت لغة الصحافة نكهتها السهلة الواضحة على كتابات عفيف الإبداعية، بصفتها اللغة الفصحى الأسهل والأكثر قربًا من القارئ، والأكثر اندماجا مع المناخ الثقافي السائد، بسهولتها وتدفق معانيها، والتصاقها بالواقع الحياتي للناس، وهذا برز على الأخص في روايته “الخمس العجاف السمان”، التي تعتبر قصة توثيقية للناصرة في فترة مبكرة من شبابه، مذكرًا الجميع بما كاد ينمحي من الذاكرة من شخصيات الناصرة وأماكنها وأحداثها.
ليس من السهل التعود على فقدان صديق ربطتني به علاقة طريق ثقافي وإبداعي، فكر فلسفي ورؤية اجتماعية ونشاط سياسي ونضالي خلال سنوات طويلة أساسية في عمرنا.

كان في الفترة الأخيرة من حياته يشكو من عينيه وقصر نظره الذي يمنعه من القراءة، ويجعلة يرتبط بالمذياع فقط. ومع ذلك كان يخبرني بأنه يكتب و”يضع في الجارور”.. وحدثني عن مشاريع أدبية تجول بخاطره.

آمل أن يهتم شقيقه الشاعر فتحي القاسم بكتابات عفيف، وأن يجد الطريقة لنشرها، فأنا على ثقة من أنّ نشر كتاباته هو أفضل تكريم لذكراه الطيبة دومًا وأبدًا.



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>