من ساحة الحناطير.. سنعلنها ثورة!/ حنين نعامنة

|حنين نعامنة| “علّي علّي علّي.. علّي صوت الثورة ع […]

من ساحة الحناطير.. سنعلنها ثورة!/ حنين نعامنة


بريشة الفنان وليد طاهر- الرجاء الضغط على الصورة لتكبيرها


|حنين نعامنة|

“علّي علّي علّي.. علّي صوت الثورة علّي”.. لا أذكر صوتي عالياً أبداً، كما في هذه الليلة في حيفا: ليلة سقوط مبارك. للمرة الأولى لم يبدو الفرح وحده حقيقياً لا شك فيه، بل أيضاً الأحلام، وأنا المنحدرة من سلالة النكبة.. من جينات اليأس المطلق، حيث لم تكن الشعارات والمظاهرات والهتافات يوماً إلا ضريبة ندفعها لسجلات التاريخ. عقب “خطاب” التنحي الهزيل الذليل، تجمعنا عفوياً، جماعة من الرفاق الشباب، نوزع الحلوى ونهتف ملء حناجرنا: “تحيا مصر”!. المارة (العرب) يرفعون أياديهم بإشارات النصر والسيارات (العربية) تطلق زماميرها وأما اليهود العابرين فينظرون متعجبين لا يفهمون ما يحصل!

تساءلنا بهزل: هل نوزع الحلوى عليهم أيضًا؟.. رفعنا أصواتنا نكاية وشماتة واشتدت الهتافات حين رأينا سيارة شرطة تقف على الرصيف المقابل، لا يتدخلون هذه المرة. فمعاهدة السلام لم تبطل بعد، ونحن لم نطالب بذلك (بعد)!

طافت مسيرة الفرح “حي الألمانية” نزولاً وصعوداً لتمتد تلقائياً إلى وادي النسناس: “يلا على الواد”؛ الليلة النصر عربي. لا نريدهم حتى شهّاد. في مرحلة ما، باتت “حياديتنا” اتجاههم مسماراً في الكعب، قررنا جماعة خلعه لنمضي إلى هؤلاء الذين سيلتقطون القلب وهو يكاد يقفز من مكانه. هتافاتنا أخرجت الناس في “الواد”، صارت الشرفات والشبابيك تضيء على التوالي. فالمسيرات كالرعد، صوتها يصل قبل أن تصل. “انضموا انضموا انضموا الينا…” دبتّ الروح في هتافاتنا.. نبضها يتسارع ويعلو تتلقفها الشرفات المتلاصقة وهي تحوم بين العمارات الضيقة… إلا أن الشبابيك لم تضئ جميعها. لم تطّل كل الشرفات لتشهد فرحتنا. شرفات اللاجئين سدّها الأعداء بالطوب ليكموا فاها عن الزغاريد. “انضموا..” نهتف، “لكنهم ليسوا هنا”.. أردد بيني وبين نفسي. لم يخرج أحدهم إلينا، قفز قلبي ولم يلتقطه أحد. لم يرششنَ الرزّ علينا ولم يبكينَ فرحاً. لم يشغّل شاب بذقن خفيفة مذياعه ليسمعنا الشيخ إمام يصدح: “يا مصر قومي وشدي الحل”. “انضموا..انضموا”. إنهم عالقون في زحمة الانتظار، مكدسين في اللجوء، ينتظرون. أكاد أعتلي الأدراج لأطرق الأبواب المُوصدة، عشرات المرات أخذتني التفاصيل الغائبة المصرّة على الحضور، تزنّ كالنحل في الذاكرة. “فرحانين فرحانين فرحانين”.. أغلقت عينيّ، حملتني أصوات الرفاق بعيداً إلى هنا/آنذاك؛ النوافذ كلها أشرعّت. الشرفات تعطرت بالزغاريد. حبات الأرز علقت في شعري. رجعت أهتف: “انضموا انضموا..” أنتم هنا الليلة ولستم غائبين.

لم تكن حيفا قريبة أبداً كما هي الآن في ليلة انتصار الثورة في مصر، وهي التي كانت دائماً خارج منطق الأمل والأحلام، ككلّ فلسطين… الرفاق كانوا يهتفون: “ما نسينا ما نسينا.. بدنا نحرّر المينا”؛ لم ننسَ أبداً أنّ حيفا محتلة، إلا أنّ البوصلة تصدّعت مع الوقت فنسينا أنّ دون ملايين اللاجئين لن تكون الأحلام إلا وهماً.

الشعب المصري والتونسي أيضاً ظنّ يوماً أن البوصلة تعطلت ولا أمل.. ولكنه اليوم، يصير هو البوصلة و”يقوم” و”يشد الحيل” فكل ما يتمناه عنده.. وعندنا، وإن كنا ننسى أحياناً. ذات يوم.. سنسير في شارع يافا والزيتونة والجبل وفي أزقة وادي صليب وفي كل العناوين التي تركها اللاجئون أمانة لدينا. سنضيء كلّ الشرفات. سنزيل الطوب عنها وسنعلن ساحة الحناطير: ميداناً للتحرير، لا نغادره حتى تعودوا.. فدونكم لا أحلام لنا ولا نصر. شكراً تونس. شكراً مصر.

(11/2/2011)

 

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

4 تعقيبات

  1. رائع …

  2. رائع، فعلا أنت مدعاةفخر،، أتمنى أن يكون مثلك الكثير في فلسطيننا

  3. انا فخورة بك, وانتظر المزيد

  4. دونكم لا أحلام ولا نصر!!
    شكراً حنين

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>