“مَدِينِيّ” أم “مَدَنِيّ”..؟ و”جَمْعِيّ” أم “جَماعِيّ”..؟/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة| جاءني كاتبنا وقاصُّنا وروائيُّنا الواع […]

“مَدِينِيّ” أم “مَدَنِيّ”..؟ و”جَمْعِيّ” أم “جَماعِيّ”..؟/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة|

جاءني كاتبنا وقاصُّنا وروائيُّنا الواعد الصّاعد الجميل، الصّديق الزّميل، أبو شَذا (أبو محمود)، فقال: “(…) والآن، لي سؤالان حول فتويَيْن أفتيتُ بهما بنفسي بعد مراجعة “لسان العرب”؛ فقُل لي ما رأيك: مجتمع مدينيّ لا مجتمع مدنيّ؛ على اعتبار أنّ كلمة مدنيّ لا تعني إلاّ الرّجل من المدينة المنوّرة، وعليه يجب استعمال مدينيّ في سياق”civil society”. وحقوق جَمْعِيّة لا حقوق جَماعيّة؛ على اعتبار أنّ كلمة جماعة استعملها العرب لغير العاقل، بينما النّاس هم جَمْع، وبالتّالي كلمة النَّسَب إليهم تكون جَمْعِيّة لا جَماعيّة. فما رأيك عزيزي؟”.

فأجبتُ: “أخي (…) أبا شذا (أبا محمود)! أندى تحايايَ! وبعد، أوّلاً، أشكرك! ثانيًا، بالنّسبة إلى الـ”مَدَنِيّ” والـ”مَدِينِيّ”، فاعلم -والله أعلم- أنّ النّسبة إلى الاسم الواقع على وزن فَعِيلة، كـ”مَدِينة”، تكون بحذف يائه وفتح ما قبلها؛ كقولنا: عَقَدِيّ؛ في النّسبة إلى “عَقِيدة”؛ ما لم يكن هذا الاسم مضاعَفًا كـ”جَلِيلة” أو واويّ العين كـ”طَوِيلة”، فتجري فيه النّسبة على القاعدة العامّة: “جَلِيلِيّ” و”طَوِيلِيّ”. وقد شذّ عن القاعدة: الطّبِيعِيّ والسّلِيقِيّ والرُّدَيْنِيّ؛ نسبةً إلى الطّبيعة والسّليقة والرُّدَيْنة.

“وبناء على ما جاء في “لسان العرب”، وما جاء به الأستاذ محمّد العدنانيّ في كتابه “معجم الأخطاء الشّائعة”، لنا أن نعتبر كلاًّ من الـ”مَدَنِيّ” والـ”مَدِينِيّ” من الشّواذّ، أيضًا، في النّسبة إلى الـ”مَدينة”؛ حيث يعني الأوّل الرّجل أو الثّوب المنسوبيْن إلى المدينة المنوّرة، أمّا الجواري والطّير ونحوهنّ، الآتيات من المدينة المنوّرة، أيضًا، فمَدِينِيّات ولسْنَ مَدَنِيّات؛ وحيث يعني الثّاني: الـ”مَدِينِيّ”، عمومًا، المنسوب إلى أيّة مدينة غير المدينة المنوّرة. وقد كنتُ -من زمن وإلى زمن- من المتشبّثين بهذه القاعدة، ومن الدّاعين إلى التّشبّث بها، غير أنّي اؤمن، أوّلاً وأخيرًا، بأنّ اللّغة كائن حيّ، ينمو ويتحرّك ويتطوّر ويكتسي حُلَلاً جديدة -في حدود الانضباط والعقل والذّوق والسّماع والقياس والاتّفاق أو الإجماع، طبعًا؛ “مِش فُوشْطَة”- وحيث إنّ اللّغة العربيّة قد تجاوزت المدينة المنوّرة وشبه الجزيرة العربيّة والإيبِيرِيّة، وبلاد المغرب والشّام والهلال الخصيب، إلى آلاف المدن والأمصار (المدن في الاصطلاح القديم) والتُّخُوم (المدن الحدوديّة في الاصطلاح القديم) والبلدان الأخرى، في شتّى مَقالِب الأرض؛ وحيث إنّنا في سياقنا المحلّيّ والإقليميّ والعالميّ، اليومَ، نتحدّث عن المدينة كمفهوم وليس كحيّز؛ وحيث إنّ ما يُنسب إلى المدينة لم يعُد يقتصر على الرّجال أو الجواري أو الثّوب أو الطّير؛ فهناك، اليومَ: “المُجتمَعات المَدَنِيّة” و”القوانين المَدَنِيّة” و”الحقوق المَدَنِيّة” وما شئت من ذلك؛ وحيث إنّ قولنا “مَدَنِيّ” أخفّ وأسْلَس وأجمل من قولنا “مَدِينِيّ”؛ لم أعُد أرى سببًا ولا معنًى لقولنا “مَدِينِيّ” في “النّسبة إلى غير المدينة المنوّرة” عمومًا، أو في “نسبة غير الرّجل والثّوب إلى المدينة المنوّرة” خصوصًا! وأعدك أنّ ذلك لن يلتبس أمرُه على أحد! أمّا بالنّسبة إلى ما فصّلت فيه العرب -حينها- من رجال وجوارٍ وثوب وطير، يأتون من المدينة المنوّرة أو غيرها؛ للتّمييز بينهم أو لتمييزهم عن غيرهم، فلا أراه، اليومَ، ذا صِلة. وإذا ما أردنا أن نعرّف رجلاً أو امرأة -فلا أقول حرّة ولا أمة ولا جارية؛ فما عاد هذا التّفصيل هو، أيضًا، اليومَ، ذا صِلة- أو طيرًا يأتون من المدينة المنوّرة، فعلاً، في يوم من الأيّام، نقول: (…) من المدينة المنوّرة، أمّا بالنّسبة إلى الثّوب، فأرى تعبير “ثوب مَدَنِيّ” قد اكتسب خصوصيّة لغويّة تاريخيّة، ليعني، أبدًا، الثّوب الآتي من المدينة المنوّرة. فعليك بالـ”مَدَنِيّ” ودَعْكَ من الـ”مَدِينِيّ” هذه.

“وأمّا بالنّسبة إلى اقتراحك اعتماد الـ”جَمْعِيّ” بدلاً من الـ”جَماعِيّ”؛ فباعتبار أنّ الـ”جَمْع” اسم لجماعة النّاس، في حين تحتمل الـ”جَماعة” أن تكون لغير النّاس، من شجر وحجر وغيرهما، رغم أنّها مستخدمة، قديمًا وحديثًا، في سياق الحديث عن النّاس، وفي النّصوص الدّينيّة، أيضًا: “أهل السُّنّة والجماعة”، “جماعة المؤمنين”، “يد الله مع الجماعة” وما إلى ذلك؛ وحيث إنّ قولنا: “جَمْعِيّة”، أيضًا، أخفّ وأسلس وأجمل من قولنا: “جَماعِيّة”، فأوافقك -أخي!- الرّأي في استعمال “جَمْعِيّة” بدلاً من “جَماعِيّة” في السّياق المَعْنِيّ.”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!


يوم الأرض..!

في يوم الأرض الخالد، خلود اللّوز واللّيمون والزّيتون والسِّندِيان، نُثنّي قولَ درويش: “الأرض تُورَث كاللّغة”، بقولنا: الأرض.. واللّسان.. هما الإنسان.. ولنا أن نختار: إمّا البقاء.. وإمّا الفَناء..!

أوّل نَيْسان..!

إيّاكم والكذب.. حتّى في الأوّل من نَيْسان..! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ..!

(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

2 تعقيبات

  1. انا لقبي طويلي وارجو تزويدي بكل مالديكم من معلومات متعلقه بهذا اللقب

  2. جميل ومفعم

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>