يا قارِئي.. تَمَهّلِ.. وأجْمِلِ..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة| حَسْبي أنّني ساعٍ في هذِي الحياة، وما […]

يا قارِئي.. تَمَهّلِ.. وأجْمِلِ..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة|

حَسْبي أنّني ساعٍ في هذِي الحياة، وماضٍ في مسعايَ على خَيْط عُمري، متعلّمًا ومعلّمًا، لإتقان المهارات اللّغويّة الأربع: الاستماع، والتّحدّث، والقراءة، والكتابة؛ ففي فلك هؤلاء (نعم هؤلاء؛ أنَسَنَةً منّا؛ إعلاءً لشأنها) يتمحور كياني، إلى أن يقضيَ الله أمرًا كان مفعولاً. وكلّ عَشَمي في قارئي، أن يُحسِن قراءتي، لأنّني أمارس كتابتي -كما كلُّ ممارساتي- بدقّة متناهية، فأُعْمِلُ فكري في فواصل نصّي ونقاطه وحركاته، بَلْهَ (اسم فعل يعني: دَعْ واترُك) جملَه وكلماتِه.

كنّا تحدّثنا في مقالتنا من الأسبوع الفائت -من جملة ما تحدّثنا حوله- عن “پروتوكولات آيات قُمّ” (تُنظر المقالة السّالفة الذّكر)، فأعجب ذلك مَن أعجب، وأغضب مَن أغضب، وهو وضع قمّة في الطّبيعيّة والطّبْعِيّة، غير أنّه يسترعي منّا حديثنا الآتي.

كان من بين المعترضين الموضوعيّين المهذّبين الحضاريّين -دون غيرهم- على ما أسلفنا، صديقي الصّدوق الطّيّب الخلوق، العالي الثّقافة والذّكاء، ابن بلدي وعشيرتي وأهليَ الأقربين، المنظِّر والقائد السّياسيّ. فإليه، صديقي! -بعد إذنكم- سأوجّه كلماتي، و”اسْمَعِي يَ جَارَة”!

علّك تذكر -يا صديقي!- أنّه حين كانت تجمعنا جلساتنا الطّيّبة -ولا تزال، وإن لِمامًا (غِبًّا؛ أي بعد أيّام وأيّام)- ونتناول فيها -من جملة ما نتناول- الانكِفاء (الانهزام) العربيّ من البحر إلى البحر، رؤساءَ ومرؤوسين، كنتُ أدعو بملء فمي وقلبي، إلى أن يَتَوَزّع (يَتَقاسَم) الشِّيعةُ والأتراك هذا الوطن العربيّ، من المضيق إلى المضيق؛ من مضيق هُرْمُز في الشّرق العربيّ الفارسيّ، إلى مضيق جبل طارق في الغرب المغربيّ الفِرِنْجِيّ (الأوروپّيّ)؛ ومن شبه الجزيرة العربيّة إلى شبه الجزيرة الإيبِيرِيّة (إسپانيا). فمثل هذا الحديث -وإن كنت أعتبره، اليوم، غيرَ ذي صِلة، وفي ظلّ التّحوّلات العاصفة الّتي شهدها ويشهدها وسيشهدها العالم العربيّ- لا يُمكن أن يَنُمّ (بمعنى يكشف) -في حال من الأحوال- عن نفسٍ تُسوِّلُ (بمعنى تسمح وتُتيح) لنفسها أن تدعو إلى عصَبِيّة أو تُقاتل على عَصَبيّة، أو تحمل حقدًا أو تُسِرّ (تُبْطِن) ضَغينة وسوء سَرِيرَة (نِيّة)، أو أن تسعى لفُرقة لحساب فِرقة على حساب فِرقة. كما أنّني لَمِن قوم يعتقدون بكلّ جوارحهم بمبدأ: “الحبّ للجميع ولا كراهيَة لأحد”؛ هكذا علّمنا معلّمنا الأوّل، محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم، وهكذا علّمنا معلّمنا الثّاني، مِرْزا غُلام أحمد ابن مِرْزا غُلام مُرْتَضى، عليه الصّلاة والسّلام. فلا يُزايِدَنّ علينا أحد بمقولات التّسامح وقبول الآخر رغم اختلافنا معه، ولمّ الشّمل وليس الفصل، وما إلى ذلك من هذا الكلام المُنَمَّق، الخاوي على حروفه (المتهدِّم الفارغ)، في كثير من الأحيان، على الأقلّ؛ إذ لا أراها إلاّ كلمات يحاول بها كلّ صاحب نظريّة شموليّة أو مُعتقَد، أن يكسر ويُجمِّل ويُسوِّق شهوته الموجودة -لا مَحالة- في احتواء الغير، وتغييب فكر وتغليب آخَر. هذا من باب، ومن باب ثانٍ، أرجو أن يتنبّه قارئي لحقيقة أنّني لم أتحدّث في مقالتي عن أفراد، بل تحدّثت عن -أو أشرت إلى- نظريّات وممارَسات وسياسات لا يُمكن لِذِي بَصَرٍ وبَصِيرَةٍ أن يَغُضّ عنها طرفه أو يكُفّ باله. ومن بابٍ ثالث، فإنّه لا أحد أولى منّا بحُبّ رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وآلِ بيته الأطهار المَيامين. ومن بابٍ رابع، فإنّنا لم نُنكر على الأخوة الشّيعة -في حال من الأحوال- حُسن جهادهم واجتهادهم واستشهادهم؛ ولغتهم وشعرهم وأدبهم، وقد سبَق منّا القول بذلك في مقالتنا من الأسبوع الفائت. رغم أنّنا نقف لهم ولغيرهم بالمِرصاد -بحدّ القلم لا بحدّ السّيف، طبعًا- في كثير من مُعتقداتهم الدّينيّة وطروحاتهم الفِكريّة، انطلاقًا من، وعملاً بالمبدأ الإسلاميّ المحمّديّ: “اختلاف أمّتي رحمة”. ومن بابٍ خامس، فأنا حين أكتب في غير صُلب اللّغة، في ذاتها ولذاتها، لا أروّج لبضاعة مطلوبة، ولا توجّهني اعتبارات سياسيّة أو حزبيّة أو فئويّة أو طائفيّة، بل يُوجّهني وَمْضُ فكرة، بما أدّعي حُسن استماعه وتحدّثه وقراءته وكتابته؛ كما أسلفت. ومن بابٍ سادس، فحين تحدّثت، مثلاً، عن “الحقد العَقَدِيّ والسّلطويّ الدّفين الّذي يُبْطِنه أهل الشّيعة لأهل السّنّة”، لم أنفِ بذلك -في حال من الأحوال- أن يكون هذا الحقد مُسوَّغًا في مستوًى ما، قديمًا وحديثًا، لكنّه يظلّ حقدًا، طبعًا. وحين تحدّثت عن ثلاثة مشاريع تسعى لتقاسم العالم العربيّ، لم أعنِ -بالضّرورة- توافق هذه المشاريع الثّلاثة واتّساقها واتّفاقها. ومن باب سابع وأخير، في هذا المَقام، أكرّر ما نوّهتُ به في مقالتي من الأسبوع الفائت، وبالفم الملآن، داعيًا إلى أن نتذكّر، أبدًا، أنّنا نعيش في عالم قائم على المصالح والنّدّيّة أو التّبعيّة؛ فلا أحدَ فيه يحارب من أجل أحد، ولا أحدَ فيه يقضي مصالح أحد. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهد!

(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>