هذا المَحْمولُ أو المَنْقول.. هذا النّقّالُ أو الجَوّال..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة| تأنَّس هذا الجماد، إذًا (صار إنسانًا)، […]

هذا المَحْمولُ أو المَنْقول.. هذا النّقّالُ أو الجَوّال..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة|

تأنَّس هذا الجماد، إذًا (صار إنسانًا)، ولا أدري كيف تأنَّس؛ إذ أطلقوا عليه صيغة المبالَغة، “فَعّال”؛ فقالوا: “نَقّال” و”جَوّال”، وما هو إلاّ “مَحْمول” و”مَنْقول”. هذا لغويًّا، أمّا مبدئيًّا، فكما أنّه تجري في عروقي واحدة من أندر فصائل الدّم (“يَعْنِي مُشْكِلِة إذا صار شِي”)، كذا أنا من النّوادر الّذين لا يحملون هذا “المَحْمول” غير المَحْمول (غير المحتمَل)؛ وذلك دَرْءًا (دَفْعًا) لمُهْلِكاتٍ ثلاثة، كَرِهَها اللهُ لنا: القِيل والقال، وكثرة السّؤال، وإضاعة المال. وأنا، طبعًا، لست من القائلين بأنّ “كلّ مُحْدَثة بِدْعة، وكلّ بِدْعة ضَلالة، وكلّ ضَلالة في النّار”، بل أنا من القائلين بأنّ طرح أيّ مُحْدَثة في الأسواق وبين أيدي البشر -هذا الطّرح الّذي لا يعرف كَلَلاً ولا مَلَلاً، طبعًا، حفاظًا على طاحون رأس المال دوّارًا..!- يجب أن يكون مسبوقًا ومرافَقًا أبدًا، بفعل تربويّ توْعَوِيّ تثقيفيّ إنسانيّ، مُعلِّم ومؤدِّب، لئلاّ تصبح حياتنا كلُّها أتفه من التّفاهة، ولئلاّ ينطبق علينا قول نزار، كلَّ مرّةٍ من جديد:

“خلاصةُ القضيّةْ

توجَزُ في عبارةْ:

لقد لبِسنا قشرةَ الحضارةْ

والرّوحُ جاهليّةْ…”.

ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!


سُئِلْتُ.. فأجَبْتُ..

جاءني صديقي، هذه المرّة، بهذا السّؤال: “ألاحظ استعمال الفعل “أؤمن” ]بترادُف همزة المُضارَعة وقَصْر همزة الفعل المهموز الفاء[ في صُحُف، و"أومن" ]بترادُف همزة المُضارَعة ومَدّ همزة الفعل المهموز الفاء[ في صحف أخرى، فما الأصح، ولماذا؟ وشكرًا”. فأجبتُ صديقي: “الصّحيح: “أُومِن”؛ فإذا توالى في أوّل الفعل همزتان، أولاهما متحرّكة والأخرى ساكنة، قُلِبت الأخرى مدًّا مجانسًا لحركة الأولى؛ مثل: آمَنْتُ أُومِنُ إيمانًا؛ حيث هي في الأصل: أَأْمَنْتُ أُؤْمِنُ إئْمانًا! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!”.


الصّيّاد..

عاد الصّيّاد من استراحته الأسبوعيّة ليجد بحر “الخَطايا” الصِّحافِيّة قد فاض في البلاد، وأغرق الزَّرْع والضَّرْع (النّبات والحيوان) والعباد، بعد أن بلغ غُثاء (الغُثاء: الزَّبَد) سَيْلِه الزُّبَى (الزُّبى مفردها زُبْيَة؛ أي الرّابية الّتي لا يعلوها الماء؛ ويُقال، كِنايَةً: “بلغ السَّيْلُ الزُّبى”؛ أي اشتدّ الأمر وانتهى إلى غاية بعيدة). فإليكم، مثلاً، ما جاء -والعِياذ بالله- في سطر واحد من خبر جاء في ثُمن صفحة، تقريبًا، في إحدى أسبوعيّاتنا من الأسبوع الفائت: “ولا يجب دفع مقابلها مبلغًا إضافيًّا”. أوّلاً، إنّ قولنا بالعربيّة: “لا يجب كذا”، يعني: يجوز؛ فالشّيء -أيّ شيء- إمّا أن يكون واجب الحدوث وإمّا أن يكون جائز الحدوث، وإمّا أن يكون مستحيل الحدوث، وهذا الاحتمال الأخير ليس ذا صِلة في ما نتناوله الآن. فإذا أردنا أن نعبّر عن معنى وجوب كذا، قلنا: يجب كذا؛ كقولنا، مثلاً: يجب أن تحترم معلّمك/معلّمتك؛ وعليه، يجب أن نقول، مثلاً: يجب ألاّ (أن لا) تخون صديقك؛ فلو قلنا: لا يجب أن تخون صديقك، لكان المعنى: يجوز أن تخون صديقك؛ فقولنا: لا يجب، كقولنا، مثلاً: لا يقف؛ فإنّه؛ إذًا، مجرّد نفي لوقوع الفعل، وليس نفيًا -في حال من الأحوال- لوقوع أقرب الأفعال إليه بدلاً منه، وهو الفعل الضّدّيّ؛ فكما أنّ الطّبيعة لا تقبل الفراغ، اللّغة، أيضًا، لا تقبل الفراغ؛ فإذا غاب الوجوب -ههنا- أو انتفى، حلّ محلّه الجَواز، لا مَحالة. فقل، إذًا: يجب ألاّ، ولا تقُل: لا يجب. هذا بالنّسبة إلى “لا يجب” و”يجب ألاّ”، ولْنذهب، الآن، إلى تحليل هذه الجملة “الكارثيّة” إلى عوامل نحْويّة، علمًا أنّها “تطمح” -في سياق الخبر المذكور أعلاه- إلى التّعبير عن أنّ تلك الفرصة أو الإمكانيّة الّتي يتحدّث عنها الخبر غير منوطة بدفع مبلغ إضافيّ مقابلها. فنحن مهما قلّبناها نحْوِيًّا -والله- إعرابًا وبناءً، رفعًا ونصبًا وجزمًا وجرًّا، باعتماد نظامنا النّحْويّ الإعجازيّ الّذي وضعه أجدادنا وآباؤنا النّحاةُ الأقدمون عليهم السّلام -ونقول الإعجازيّ بشهادة العرب والمُسْتَعْرِبين (المستشرقين)؛ إذ هو نظام قادر – في كلّ زمان ومكان- على تأويل أيّ بناء لغويّ؛ من خلال تحليله إلى عوامل نحْويّة، والفصل في أمر عَيْبِه أو سَلامِه، وإصدار حكمه فيه، قائلاً: “هذا من لغة العرب” أو “ليس هذا من لغة العرب”- لن نصل إلى المعنى “المشتهى”، فليته كان النّصّ كذا، وكفى: ولا يُدفَعُ مُقابلها مبلغٌ إضافيٌّ. فارحمونا! يا من تكتبون، وارحموا لغتكم! وارحموا أنفسكم من “مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ”! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!


لُغَتُنا العَرَبِيّة.. حَماها الله..!

قِيلَ لأعرابيّ: ما اسمُ المَرَق عندكم (الشَّوْرَبَة، بعربيّتنا المعرَّبة عن الفارسيّة)؟

قال: السَّخِين.

قال: فإذا برد؟

قال: لا ندعُه (حتّى) يبرد.


(الكبابير/ حيفا؛ الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ)

المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>