تُصبِحون على لُغة..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة| قال لنا محمود درويش، مرّةً: “تُص […]

تُصبِحون على لُغة..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عودة|

قال لنا محمود درويش، مرّةً: “تُصبِحون على وطن”، ونقول نحن، الآن: تُصبِحون على لغة..! وقالوا لنا: “الفقر في الوطن غُربة والمال في الغُربة وطن”، ونقول: اللّغة -أعني لغتنا العربيّة- في الوطن -أعني وطننا الّذي لا وطن لنا سواه- عِزّة وكرامة وكبرياء، واللّغة -أعني لغة البلد الغريب- في الغُربة مال!

وتعريف اللّغة بأنّها وسيلة اتّصال تعريف قديم، غير أنّ هذا التّعريف -في نظري- لم يحظَ بالتّعريف الّذي يليق بمعرَّفِه، أعني اللّغة؛ حتّى إنّك لتسمع، اليومَ، بعضًا ممّن لا يُعِيرون اللّغة كبير اهتمام -بل أكاد أضمّ صوتي إلى صوت رجل من عند الله وصفهم بالخَوَنة- يقولون بجَهالَةٍ منهم أو بازدراء وخُيَلاء فارغة مُنْتِنة: هذه الّلغة ما هي إلاّ وسيلة اتّصال، لا غير..!

فلهؤلاء ولغيرهم نقول: إنّ اللّغة وسيلة اتّصال، فعلاً، ولا تعدو كونها وسيلة اتّصال، حقًّا، وحسْبُها وكَفاها أنّها وسيلة اتّصال، ولكن أتدرون معنى هذا الكلام؟!

إنّ كلّ هذا الّذي حولنا من بشر وغير بشر، ينطق بلغته الخاصّة ويتواصل بها، معَ نفسه، ومعَ خالقه، ومعَ من حوله جميعًا، وبهم. فنحن -البشرَ- مثلاً، نفكّر بلغة ونحلُم بلُغة ونحدّث أنفسنا بلغة، ونعبّر عن ذواتنا بلُغة، ونتوجّه إلى خالقنا بلغة، ونتعامل مع النّاس وغير النّاس بلغة، ونصف أو لا نصف أيّ شيء بلغة، فما نحن إلاّ كائن لغويّ إذًا، ولا وجود لنا بدونها، هذه اللّغة.

وللّغة أبعادها النّفسيّة والعقليّة والجسديّة، الخاصّة منها والعامّة، وعن هذا البُعد أو ذاك، بهذا المدى أو ذاك، نعبّر بمهارات اللّغة الأربع: الاستماع والحديث والقراءة والكتابة، الّتي نؤدّي من خلالها معانيَ اللّغة ومِساحات معانيها، وذلك من خلال حركة الصّوت أو الصّمت، أو صورة كلٍّ منهما؛ فالكتابة، مثلاً، صورة الصّوت..!

فليتنا نُصبِح ونُمْسي على لغة أبدًا، لأنّنا بدونها لن نُصبِح ولن نُمْسي..! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشْهَد!


لُغَتُنا العَرَبِيّة.. حَماها الله: أدَبٌ صار عِلمًا..

هجر أعرابيٌّ زوجته لأنّها ولدت له بنتًا، وصار يأوي إلى بيت مجاور لها. فسمعها ترقِّص ابنتها وتُنشِد:

ما لأبي حمزةَ لا يأتينا / يظلُّ في البيت الّذي يلينا

غضبانَ أن لا نلدُ البَنينا / تاللهِ ما ذلك في أيدينا

وإنّما نأخذ ما أُعْطِينا / ونحن كالزّرع لزارعينا

نُنْبِتُ ما قد زرعوه فينا

وما إن سمِع زوجها هذه الأبيات حتّى طفِق (أخذ) ينهبُ الخُطا نحْوها إلى أن وَلَج (دخل) عليها الخِباء وقبّلها وقبّل ابنتها وقال: ظلمتكما وربِّ الكعبة!

ما يَلْفِتُ نظرك في القصّة أعلاه، أنّ هذه الزّوجة الأديبة اللّبِقة الصّابرة المؤمِنة المُحبّة، كانت بإحساسها العالي، ووعيها الحادّ، وإدراكها العميق، وتناولها الحسَن، قد سبقت ما أقرّه العلم الحديث بقرون وقرون، أنّ الرّجل، عمليًّا وعلميًّا، هو المسؤول، بيولوجيًّا، عن تحديد جنس المولود، ذكرًا كان أو أنثى.

كما يتبيّن لنا -من خلال صدر البيت الأوّل، أعلاه- قِدَم عادة العرب في التّيمّن بتَكْنِيَة الرّجل بأبي فلان من الذّكور، حتّى قبل أن يولَد له.

وإنّ هذا السِّمة الإخباريّة لهذا النّوع من الأدب، أو الشّعر منه تحديدًا، المَعْرِفِيّ المعلِّم، لتُعتبر إحدى فضائل الشّعر العربيّ، كمصدر معرفة وعلم ومعلومات موثوق به، عن أخبار تلك العصور الخوالي، وعادات أهلها وتقاليدهم وحياتهم.

لَشَدّما يبعث فيّ السّرور ويُضيء فيّ الأمل، تلقّي تعليقاتكم على، وتساؤلاتكم عمّا تطرحه هذه الزّاوية، عبر عُنوان البريد المُسجّل هنا: asarabic@gmail.com.

وإلى لقاء آخر، إن شاء الله! وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!

(الكبابير/ حيفا؛ الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>