الجَنّةُ تَحْتَ أقْدامِ أُمّي.. وأَبِي..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة| أشعرُ، الآن، أنّ البُنُوّة قاصرة جدًّ […]

الجَنّةُ تَحْتَ أقْدامِ أُمّي.. وأَبِي..!/ أسعد موسى عودة

|أسعد موسى عَودة|

أشعرُ، الآن، أنّ البُنُوّة قاصرة جدًّا، عن أن تعبّر عن معنى النُّبُوّة؛ أقصد معنى هاتيْن الحالتيْن القُدُسِيّتيْن: الأُمومة والأُبُوّة. فعُذرًا، أبَوَيّ حبيبيّ! وعُذرًا إلى كلّ أُمّهات الأرض الأُمّهات، وعُذرًا إلى كلّ آباء الأرض الآباء؛ لأنّه:

“ليس اليتيمُ مَن انتهى أبواهُ مِن   /   هَمّ الحياة وخلّفاهُ ذَلِيلا

إنّ اليتيمَ هُوَ الّذي تَلقى لهُ   /   أُمًّا تَخَلّت أو أبًا مَشْغولا”.

عيدُ الأمّ الّذي يُحتفَلُ به، غالبًا، ونحتفل به، في الفاتح من العشرين من آذارَ من كلّ عام؛ وعيدُ الأب -لمن لا يعلم- الّذي يُحتفَلُ به، غالبًا، ولا نحتفل به، في الفاتح من العشرين من حَزِيرانَ من كلّ عام؛ مناسبتان عزيزتان غاليتان، ننتهز -أو لا ننتهز- نحن -الأبناءَ- فيهما الفرصة، لمحاولة التّعبير عن شيءٍ أو بعض شيء، من ردّ الجميل لمَن وَهَبونا -بعد الله- الحياة، ووَهبونا للحياة.

تبدو المسألة كلّها فيها من الانتقاص ما فيها، من حقّ هذين العزيزيْن الغالييْن؛ فهل هو يوم في السّنة كلّها، لكلٍّ منهما، نحاول تذكّرهما وبَرَّهما (إطاعتهما وإحسان معاملتهما عن حُبّ ورِضًا) فيه، وكأنّا نعطي لأنفسنا رخصة نِسيانهما وعُقوقهما (عِصيانهما وترك الإحسان إليهما) بقيّةَ أيّام السّنة؟! ولهما -وليس لأحد غيرهما- يجب أن نُخْفِضَ جَناحَ الذُّلِّ (بمعنى اللِّين والتّواضع) مِنَ الرَّحْمة والرّأفة والحُبّ والاحترام والإجلال والتّكريم، وما شئتم، في كلّ لحظة من لحظات حياتنا، أيقاظًا كنّا أو نِيامًا، كما ربّيانا هما صِغارًا وكبارًا؛ حيث الواحد منّا، مهما كبِرت سِنُّه، وعلا شأنُه، ظلَّ عندَ أبويْه ابنَهما الصّغير، الّذي لكأنّه وُلد الآن؛ وحيث يظلُّ حُبُّهما له وخوفُهما عليه، غيرَ مشروطيْن بتلبية قائمة المعايير هذه أو تلك، فنحن أبناؤهما، وكفى.

فإليكِ أمّي وإليكَ أبي، في يومَيْ عيدَيْكُما، كلَّ يوم، كلَّ حُبّي وذُلِّي (لِيني وتواضعي) وولائي، ما حَييت؛ وكلُّ رجائي أن أستحقّ، فعلاً، منكما هذي الأُمومةُ.. وهذي الأُبُوّة..!


سُئِلْتُ.. فأجَبْتُ..

أمرني صديقي الصّدوق، الطّيّب الخلوق، أن أضيف في أمر الفرق بين “مَقام” و”مُقام”؛ وقد قلت أمسِ: “الأوّل مصدر مِيمِيّ للفعل اللاّزم (أو غير المتعدّي مباشَرة إلاّ بحرف جرّ) “قام”، بمعانيه المختلفة؛ والثّاني اسم مفعول أو مصدر مِيمِيّ للفعل المتعدّي المَزيد “أقام” (على وزن أفْعَل)، بمعانيه المختلفة، أيضًا”. وأضيف، اليوم، أنّ فرقًا أساسًا آخرَ يفصل بين “مَقام” و”مُقام”؛ وهو أنّ “مَقام”، غالبًا، تحمل معنى الوجود المعنويّ؛ فتعني المَنْزِلة والشّأن، وما إلى ذلك؛ كقول الحقّ -سُبحانَه- في كتابه العزيز: ﴿وَاتَّخِذُوا مِن مَّقامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ و﴿عَسَى أن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ و﴿إنَّ المُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أمِينٍ﴾ و﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾. أمّا “مُقام” فتحمل معنى الوجود المادّيّ؛ بمعنى الإقامة وموضعها وزمانها؛ كقول الحقّ -سُبحانَه- في كتابه العزيز: ﴿إنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ و﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾؛ وكقول عمّنا المُتنبّيّ -رحمه الله وجاوَز عن خطاياه- في وَصف حُمَّاه: “وما في طِبِّه أنّي جَوادٌ / أضَرَّ بجسمه طُولُ المُقامِ”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!


الصّيّاد..

من جُملة الآفات التّعبيريّة واللّغوية الّتي يعانيها مَشهدُنا الكتابيّ عمومًا، والصِّحافيّ منه خصوصًا، تشديد “ياء” المثنّى غير المعرّف بـ”أل” التّعريف، لدى وقوعه مُضافًا منصوبًا أو مجرورًا إلى اسم بعدَه؛ فجاء، مثلاً، في خبر فنّيٍّ احتفاليّ في إحدى أسبوعيّاتنا من الأسبوع الفائت: “… ثورتيّ مصر وتونس…” بتَكرار ذلك في الخبر نفسه. إنّه لا وجهَ لغويَّ (أو لغويًّا أو لغويٌّ) لمثل هذه الشّدّة، في مثل هذه الحال؛ فإسقاط “نون” التّثنية الواجبِ إسقاطُها عند الإضافة -ههنا- لا يُعوَّض مِنْه بتشديد “ياء” المثنّى؛ فلو كان الأمر كذلك لطبّقنا هذه القاعدة، أيضًا، لدى إسقاط “نون” الجمع الواجبِ إسقاطُها عند إضافة جمع المذكّر السّالم المنصوب أو المجرور؛ فقُلنا، مثلاً: رأيتُ معلّمِيِّ المدرسة؛ أو: مررتُ بمعلّمِيِّ المدرسة؛ في حين أنّ الصّواب أن نقول: رأيتُ معلّمِي المدرسة؛ أو: مررتُ بمعلّمِي المدرسة؛ بمجرّد إسقاط “نون” الجمع وإبقاء الـ”ياء” على ما كانت عليه قبل الإضافة. وكذلك هو الأمر بالنّسبة إلى المُثنّى المُضاف، المنصوب منه أو المجرور؛ فكلّ ما نقوم به هو حذف “نون” التّثنية وإبقاء سكون “ياء” المثنّى على ما كان عليه قبل الإضافة، أو كسره، في الحالات الّتي تستوجب منع التقاء السّاكنيْن؛ كقولنا، مثلاً: رأيتُ مُعلِّمَيْ صفٍّ؛ ومررتُ بمعلِّمَيِ المدرسة. وقد جاء في سورة يوسُف من القرآن الكريم: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾؛ فلم يقُلْ: “يَا صَاحِبَيِّ السِّجْنِ”. أمّا إذا كانت النّسبة إلى “ياء” المُلكيّة، فعندها تُدغم الياءان، السّاكنة منهما والمتحرّكة، لتشكّلا، معًا، “ياء” واحدة مشدّدة؛ وما التّشديد إلاّ سكونٌ وحرَكة، كما سبق منّا القول في غير موضع؛ فنقول، مثلاً: رأيتُ مُعَلِّمَيَّ، وممرتُ بمُعلِّمَيَّ؛ أي المُعلِّمَيْن خاصّتي أنا. كما جاء في الخبر نفسه أعلاه -من جملة ما جاء، والعِياذ بالله-: “حان الوقت بأن يسيطر الحقّ وليس شخصًا ظالمًا”. والصّحيح، أوّلاً، طبعًا: حان الوقت لأن يسيطر الحقّ؛ والصّحيح، ثانيًا، طبعًا: وليس شخصٌ ظالمٌ؛ حيث إنّ “ليس” -ههنا- نافية لا عملَ لها، دخلت على جملة فعليّة حُذف منها فعلها بعدما سبقه ما دلّ عليه؛ فكأنّنا نقول: حان الوقت لأن يسيطر الحقّ، وليس (ولا) لأن يسيطر شخصٌ ظالمٌ. وجاء في الخبر نفسه، أيضًا: “سأغنّي أغانٍ”! بدلاً من: سأغنّي أغانيَ؛ مفعولاً به منصوبًا وعلامة نصبه الفتحة الظّاهرة على آخره، لكونه جمعًا آخرُه “ياء” كُسِر ما قبلها؛ فيُعامَلُ مُعامَلةَ الاسم المنقوص، وقد جاء -هنا- على إيقاع مَفاعِل، صيغةً من صِيَغ مُنتهى الجُموع، فمُنع من الصّرف. في حين أنّ تنوين الكسر في آخر الاسم المنقوص النّكرة (غير المُعرَّف بـ”أل” التّعريف، أو غير المُضاف إلى ما هو مُعرَّف أو إلى ما هو مُضاف إلى ما هو مُعرَّف)، وما يُعامَلُ مُعامَلةَ الاسم المنقوص النّكرة، ممّا جاء على إيقاع “مَفاعِل” من صِيَغ مُنتهى الجُموع، فيكون علامة رفعه أو جرّه لا نصبه؛ فنقول: هذه أغانٍ (خبر مرفوع)، وطربنا لأغانٍ (اسم مجرور)؛ بينما نقول: سمعتُ أغانِيَ (مفعول به منصوب)؛ ولا نقول: سمعتُ أغانٍ، أو: سمعتُ أغانِيًا.

وفي خبر آخرَ من أسبوعيّة أخرى جاء من الآفات -من جملة ما جاء، مُكرَّرًا-: “كما وازدانت”؛ “كما و…”؛ علمًا أنّ “كما” تُفيد -ههنا- العطف، فلا معنى ولا أصلَ ولا عقلَ ولا ذوقَ في الجمع -ههنا- بين ما يُفيد العطف، وهو “كما”؛ وبين حرف عطف آخرَ، هو “واو” العطف. فقُلْ يا مَن قلت وما أصبت: كما ازدانت؛ ولا تقُلْ: “كما وازدانت”. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!


لُغَتُنا العَرَبِيّة.. حَماها الله..!

سأل أحدُهم أحدَهم فأجاب، فكان هذا الجدَل اللّغويّ بين سؤال وجواب:

-       كم تَعُدّ؟

-       من واحدٍ إلى ألف.

-       لم أُرِدْ هذا. كم من السِّنّ؟

-       اثنتيْن وثلاثين: ستَّ عشْرةَ في حلقي وسِتَّ عشْرةَ في أسفلِ الحلق.

-       لم أُرِدْ هذا. كم لك من السِّنين؟

-       ليس لي منها شيء، السّنُون (بضمّ السّين وكسرها) لله.

-       يا هذا! ما سِنُّك؟

-       عَظم.

-       اِبنُ كم أنت؟

-       اِبن اثنيْن: رجل وامرأة.

-       كم أتى عليك؟

-       لو أتى عليّ شيءٌ لقتلَني.

-       كيف أقول؟

-       تقول: كم مضى من عمرك؟!

بالله عليكم، هل كان لمثل هذا الحوار أن ينشأ بأيّة لغة أخرى على وجه الأرض؟!

(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم ومحرّر لغويّ؛ الكبابير/ حيفا)


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>