حكايات ملوّنة/ سارة كحيل

|سارة كحيل| أبيض أصابعه الصغيرة تحرك الورقة البيضاء أما […]

حكايات ملوّنة/ سارة كحيل

|سارة كحيل|


أبيض

أصابعه الصغيرة تحرك الورقة البيضاء أمامه، وعلى مقعده الأحمر الصغير يختفي خلف طاولة صفراء كبيرة، كأنّ كلّ الأجسام تصغر لتتناسب مع حجم المشهد، إلا الطاولة تبقى كبيرة. في يده قلم لا لونَ له، يقترب من الورقة يرسم عليها الخط الأول فيأتي صوتها من بعيد تمنعه من سرقة ألوانها وخطوطها، يتراجع وتبقى ورقته بيضاء. هي تملك كلّ الألوان، هي ترسم المشهد وتلوّنه.

كان يجلس بعيدًا عن باقي الأطفال يحاول التركيز فهو لا يرضى إلا بأن يكون الأفضل، وهي لا تترك مجالا للهدوء. تخطو خطوة، تقترب منه، تثير فوضى، وفي خطوتها الثانية تتعثر بشريط حذائها غير المعقود وتسقط بفوضى كبيرة لا تثير اهتمامه. يستغلّ الفرصة، يسرق منها لونا وخطا ويغير بياض الورقة. تنهض خاسرة غاضبة تقضم شفتها السفلى ولا تستسلم؛ لن تتكرّر سرقة الألوان ولن تتكرّر سرقة الخطوط. توسع المشهد قليلا لكن لا بأس.

تفكر: كل ما تبقى لها ضحكات ساذجة ورقصات خفيفة لتسرق بدورها انتباهه عن الورقة. لكنها أسلحة مستهلكة يرفض الانصياع لها بعد أن ضحكت ورقصت وغنت. يختار لونا جديدا يسرقه ليتعاظم غضبها فترسم مقعدًا أزرقَ بجانبه تقف عليه وتلوّن حذائها بالأخضر: لونه المفضل، هكذا تنجح باستمالته. يمدّ يده نحوها، تتجاهله.

يحاول أن يصل يدها ليشدّها فلا يمسكها. تلامس أنامله ركبتها الصغيرة فتلتفت نحوه بلا مبالاة ويحدثها هو حتى يكسب انتباهها المزوّر. تستغل الفرصة، تشدّه بكذبات تنسجها فينسى الورقة والألوان. تتباعد شفتاه عن بعضهما البعض دهشة بالقصص التي تحكي، وهي تعيد الألوان إلى عالمها رويدًا رويدًا، من دون أن ينتبه. تمزجها مُجددًا وتخلق البياض من جديد.


غول، بأيدٍ صغيرة

ستّ أيادٍ صغيرة تتشابك في دائرة راقصة وخطوات صغيرة. كلّ الأيادي بحجم واحد إلا اثنتين تصغرانهم بقليل. أربع أيادٍ صغيرة كبيرة تقرّر أنّ لها أن تفعل ما تشاء.

تنتفض الدائرة فالصغار الكبار ذاهبون في رحلة خلف الجبل، هو وهي ووردة الجبل ولا أحد آخر. المشكلة الأساسية لها يدان صغيرتان، تقترب من أخيها تمسك بيده لا تتركها: “وجد، خذوني معكم”. تنطوي تعابير وجهه، لا يريد أياديَ عالقة به: “تعالي، إذا وافقت سميرة تعالي”.

تتجه نحو سميرة تشدّ قميصها تصرخ: “هاتي يدك”. تحكّ سميرة رأسها: “وجد وافق، وجد يأخذك”.

منه إليها ومنها إليه كمن يلعب بالكرة، كيف يقتربون من الوردة وحدهم؟

“خلف الجبل غول يكره الأطفال”،

“الطريق طويل”،

“سيأكلك الكلب الكبير”،

“في الطريق حفرة كبيرة تقعين”،

“في الطريق بحيرة تغرقين”،

أعذار منها وأعذار منه، وهي تركض بينه وبينها وتشدّ على أيديهم وكلاهما لا يريدان اليد الصغيرة؛ كلاهما يريدان وردة بيضاء خلف الجبل تقطفها يد تعطيها لأخرى ولا تتركها.
يعرف وجد أنّ لولاه لما كان ما كان، وتعرف سميرة وتودّ لو تصرخ لكن وردة الجبل تنتظرها: “لولا غيرنا لما كان، متى يفهم الأطفال الورد والحبّ والألوان؟”

يدان صغيرتان تتشابكان في دائرة وحيدة وخطوات راقصة، بعيدًا عن الغول والكلب والبحيرة، قريبا من الحقيقة.


حبيبتي.. واليعسوبة؟

يخرجان فيتلوّن العالم: أشجار خضراء زهور صفراء وحمراء وهواء خفيف. يلتقيان بين الأشجار يركضان بحرية، هي بشعرها البني المتناثر وأسنانها الصغيرة تبتسم، هو بعينيه الكبيرتين يناديها. يجلسان على جذع شجرة مقلوعة تحت الشمس، ينظر حوله وبين الزهور يرى يعسوبة صغيرة، يحملها يذهب إليها فتخاف وتبتعد. يخبئ الحشرة فتقترب.

يصطاد فراشة ويخطو نحوها. تهدّده بالعودة إلى المنزل- هي تكره كلّ الحشرات. يُخفي الفراشة خلف ظهره فتعود إليه وتبتسم معه.

كان صديقها لكنه لم يقوَ على الابتعاد عن الحشرات، وهي لا ترضى بما لا تحبّ.

يقترب من فراشة أو نملة طيارة وتبتعد هي. يخبئهما (لا يرميهما) وتقترب. تكتشف المخبأ السري وتحزن.

“إما أنا وإما هما”- تفكر ولا تقول. تبتعد ويناديها وتقترب،

تبتعد، يناديها، تملّ، تبتعد أكثر ولا تقترب.



المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>