شتاء يجلس في غرفتي/ زياد خدّاش

|زياد خدّاش| تذكُر الأساطير الإغريقية لـ (ديدالوس) أنه […]

شتاء يجلس في غرفتي/ زياد خدّاش

|زياد خدّاش|

زياد خدّاش

تذكُر الأساطير الإغريقية لـ (ديدالوس) أنه أوّل من حاول الطيران في التاريخ، مستخدماً جناحين من شمع؛ فتحمّس ابنه (إيكاروس) لهذه الفكرة وطار، فاقترب من الشمس أكثر من اللازم، فذاب الجناحان وسقط إيكاروس وغرق في المحيط.
أما أسطورتنا معاً فتذكر أنني أوّل من حاول لمس الشمس في العالم، مستخدماً سلماً من ابتساماتك التي أهديتني إياها ذات رضا دافئ عني. وعند أول غضب منك عليّ توقفت عن الابتسام وهوى السلم بي إلى الأرض.


فوجئت بها في السوبرماركت تشتري ما أنوي شراءه، وتلبس لون معطفي نفسه، وتبتسم بطريقتي في الابتسام، وتمسك بيدها اليمنى طفلاً يشبه طفلتي التي أمسك بها. هذه المرأة كانت لي ذات سماء قديمة، وكنت لها، لم تعد الآن لي، لم أعد لها. اسمها سماء، اسمي زياد. اشتريت غرضي، اشترت غرضها، خرجنا معاً، دون الطفل والطفلة، اللذين بقيا يلهوان عند رفوف الألعاب، سمعنا أنفسنا ننادي على طفلينا بأسمائهما: يلا يا سماء، ناديت طفلتي، يلا يا زياد، نادت طفلها، وانشقت فوقنا سماوات الذكريات.


هي صفقة نعم، خذي نصف روحي يا غيوم، مقابل أن تختاري مفرق بيتي لتهطلي غزيرةً وعنيفةً فوق رأسها لتطرق مسرعةً باب بيتي محتميةً بي منك. بنصف روحي المتبقي سأهطل أمام شعرها المبلول تلالاً من المناشف.

ظاهرياً تبدو وكأنها أزمة مناخ، تحديداً انحباسات ريح وعواصف ومطر. باطنياً (وحدي من يعرف ذلك) هي أزمة ثقة بين عينيك والعالم، ببساطة، عيناك غاضبتان على العالم.


منذ برد 1996 والشتاء يجلس في غرفتي، فكلما تذكرت معطفك الكحلي الذي نسيته على الأريكة وأنت تركضين خارج البيت لتشاركي في تظاهرة أحداث النفق، وأنا أشعر بالبرد، البرد ومعطفك المنسي نفقاي المسدودان. ومنذ العام 2006 والصيف معلق على حائطي، فكلما رأيت وشاحك الصيفي الأحمر الذي نسيته على السرير وأنت تركضين إلى وسط رام الله لتشاركي في تظاهرة ضد الاحتلال شعرت بلسعات دم وشمس. الشمس الجهنمية ووشاحك حريقاي الأبديان، سيدة شتائي وصيفي: كفى.


الشتاء لعينيك: سأكون بيتك.
عيناك للشتاء: أريدك منفاي لا بيتي، فالمنفى أقرب إلى الحلم وتجاوز الذات ولذة البحث ولغز جوهر الوجود، أما البيت فهو مصيدة الرضى الكريه عن النفس، والتماثل مع الذات.
الشتاء: كوني منفاي إذاً لأكون منفاك ولأتعلم على يديك مدن الحلم.


الخامسة صباحاً في فلسطين: وحدي أقلّم شجر الفجر وأقشّر برتقالة الليل، وأنتظر كمثرى صوتك ــ فجري عند الخامسة والنصف.


العواصف المطرية القادمة هي عيناك وما بعدهما، أما ما يحدث في رام الله الآن من عواصف غبارية عنيفة فهو احتقان آثام كل من لم يصادف عينيك في الطريق.


على أطراف شعرك البدائي سوف أقيم نصي، وربما يوماً ما سوف تتمددين على أريكة الحلم لتقرئيني، فأنت السهرة والليل والأصحاب وحتى المغني الضرير.


ربما لا ينتبه الكثيرون إلى أن للبيت بيتاً أيضاً، فهناك بيوت مشردة بلا بيوت وهناك بيوت تسكن بيوتاً، ما أريد قوله هو أنك بيت بيتي.


تنكرت في هيئة ليل عميق وطويل القامة، صافحتك بحرارة؛ فنمت أنت على الفور؛ لأتفرج أنا منتشياً على مدينة نعاسك، وحين تنكرت في هيئة نهار صاخب دهستني سيارتك المسرعة فمت؛ لأكتشف بعد فترة أنني تنكرت في هيئة ميت لأتجسس على دموعك عليّ.


المحرر(ة): علاء حليحل

شارك(ي)

1 تعقيب

  1. للأسف, أصبح المثقف الفلسطيني -الجديد- يستمنى أكثر مما يفكر.
    لا اعلم سر الرجعية التي اجتحاتهم هكذا مثل الزكام, المرأة, الحب, الجسد, النهد…
    كلها مصطلحات رسختها السينما, فلماذا لا تأخذوا مسارا آخر غير محاولة التلفزة, وتحويل الجسد إلى صورة تُعبد.
    وحتى عند الحديث عن الوطن يدخلون الجسد بدون أذن.
    وثنية!!
    لم تنته المعالم الإنسانية بعد.. لأن الحياة باوجاعها تستحق من الكاتب ان يحث القارىء على الشجاعة وبحث التحدي والتفكير والإصرار.. أهم من هذا السيخان الذي
    الذي
    الذي
    الذ
    .
    وشكرا

أرسل(ي) تعقيبًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>